للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ المالِكيةُ: تَكونُ البِنتُ عندَ أمِّها إلى أنْ تَنكحَ ويَدخلَ بها زَوجُها، ولا تَنفردُ بنَفسِها، وأما الغُلامُ فلَه ذلكَ إذا بلَغَ رَشيدًا (١).

وقالَ الشافِعيةُ: إذا بلَغَ الغُلامُ رَشيدًا واكتَفى بنَفسِه لا يلزمُ أنْ يكونَ عندَ كلِّ واحِدٍ منهُما في مَنزلِه كما لا يلزَمُ أنْ يُنفقَ عليه؛ لأنَّ السُّكنى تَبعٌ للنَّفقةِ، ولو سَألاهُ المُقامَ عندَهُما أو عندَ أحَدِهما لم يَلزمْه المُقامُ فيه؛ لأنه قد ملَكَ تَصرُّفَ نفسِه، لكنْ يُكرَهُ له التفرُّدُ عنهُما؛ مُحافَظةً على بِرِّهما وحَذرًا مِنْ عُقوقِهما، ومُقامُه مع أبيه أَولى مِنْ مقامِه عندَ أمِّه؛ للتَّجانسِ وإنفاقِهما على التصرفِ والتعاوُنِ، فإنِ امتَنعَ مِنْ البقاءِ معَ واحدٍ منهُما لم يُجبَرْ ولم يَأثمْ، ما لم يَخرجْ عن حَدِّ البِرِّ إلى العُقوقِ.

فأما الجارِيةُ إذا بلَغَتْ فحُكمُها أغلَظُ؛ لكَونِها عَورةٌ تَرمقُها العُيونُ وتَسبقُ إليها الظُّنونُ، فيَلزمُها ويَلزمُ أبوَيها مِنْ نَفيِ التُّهمةِ عنها ما لا يَلزمُها في حقِّ الابنِ، وإذا كانَ كذلكَ فالأَولى بها ألَّا تُفارِقَ أحَدَ أبوَيها، ومُقامُها مع أمِّها أَولى مِنْ مُقامِها مع أبيها؛ لأنها أقدَرُ على حِفظِها وأخبَرُ بتَدبيرِها؛ لأنَّ النساءَ أعرَفُ مِنْ الرِّجالِ بعَاداتِ النِّساءِ، كما كانَ الرِّجالُ أعرَفَ مِنْ النِّساءِ بعاداتِ الرِّجالِ؛ لأجلِ التَّجانسِ وتَشابهِ الأخلاقِ.

فإنْ فارَقَتْ أبوَيها نُظرَ في حالِها، فإنْ انتَفتِ الرِّيبةُ عنها في فِراقِها لم يَكنْ لهُما عليهِا اعتِراضٌ، وإنْ كانَ الأَولى بها ألَّا تُفارِقَ بِرَّهما، وإنْ


(١) «المعونة» (١/ ٦٤٢) التاج والإكليل» (٣/ ٢٥٨)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٣/ ٥٠٨)، و «تحبير المختصر» (٣/ ٤٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>