أحَدُهما: أنْ يَكونَ مَسافةُ ما بينَ البَلدينِ قَريبةً لا يُقصَرُ في مثلِها الصلاةُ؛ لأنها أقَلُّ مِنْ يَومٍ وليلةٍ، فلا يمنَعُ مِنْ الكَفالةِ ولا يَسقطُ به تَخييرُ الابنِ، سَواءٌ انتَقلَ أبوه أو أمُّه، ويُخيَّرُ بينَهُما فأيَّهما اختارَه كانَ أحَقَّ بكَفالتِه، سواءٌ اختارَ المُقيمَ منهُما أو المُتنقِلَ، أبًا كانَ أو أمًّا؛ لأنَّ قُربَ المَسافةِ كالإقامةِ في انتِفاءِ أحكامِ السَّفرِ، وجَرَى ذلكَ مَجرى البَلدِ الواسِعِ إذا تَباعَدتْ، فحالُه لم يَمنعِ التنقُّلُ فيه مِنْ استِحقاقِ الكَفالةِ.
والضَّربُ الثاني: أنْ تكونَ مَسافةُ ما بينَ البَلدينِ بَعيدةً يُقصَرُ في مثلِها الصَّلاةُ، فالأبُ أحَقُّ بكَفالةِ وَلدِه لحِفظِ نَسبِه مِنْ الأمِّ، سَواءٌ كانَ هو المُقيمَ أو المُنتقلَ، ولو عادَ مِنْ سَفرِ النُّقلةِ إلى بلدِ الأمِّ عادَ حقُّها.
لكنْ كلُّ هذا بشَرطِ أمنِ الطريقِ والبلدِ المَقصودِ، فليسَ له أنْ يَسلكَ طَريقًا مَخُوفًا، ولا أنْ يُخرجَه إلى بَلدٍ مَخوفٍ، فإنْ كانَ أحَدُهما كذلكَ أُقِرَّ عند أمِّه، وليسَ له أنْ يُخرجَه إلى دارِ الحَربِ (١).
وقالَ الحَنابلةُ: إذا أرادَ أحَدُ الأبوَينِ السَّفرَ لحاجةٍ ثم يَعودُ والآخَرُ مُقيمٌ فالمُقيمُ أَولى بالحَضانةِ؛ لأنَّ في المُسافَرةِ بالولدِ إضرارًا به.
وإنْ كانَ مُنتقِلًا إلى بَلدِ ليُقيمَ به وكانَ الطريقُ مَخوفًا أو البلدُ الذي يَنتقلُ إليه مَخوفًا فالمُقيمُ أَولى بالحَضانةِ؛ لأنَّ في السَّفرِ به خَطرًا به، ولو اختَارَ الولدُ السَّفرَ في هذهِ الحالِ لم يُجَبْ إليه؛ لأنَّ فيه تَغريرًا به.
(١) «الحاوي الكبير» (١١/ ٥٠٤)، و «المهذب» (٢/ ١٧٢)، و «البيان» (١١/ ٢٩٠، ٢٩١)، و «النجم الوهاج» (٨/ ٣٠٩، ٣١٠)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٢٠٠، ٢٠١)، و «تحفة المحتاج» (١٠/ ٢٦٢، ٢٦٣)، و «الديباج» (٣/ ٦٥٩).