للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودَليلُنا على أنه إذا كانَ مثلُها لا يُرضِعُ لشَرفٍ وعِزٍّ وعُلوِّ قَدرٍ أنَّ العُرفَ جارٍ بأنَّ مِثلَها لا يُرضِعُ، ففي تَكليفِها خِلافَ العُرفِ مِنْ حَدِّ ما دَخلَا عليهِ إضرارٌ بها، فلَم يَلزمْ (١).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ إلى أنه يَجبُ على الأبِ استِرضاعُ وَلدِه، ولا يَجبُ على الأمِّ إرضاعُ وَلدِها الصغيرِ، وليسَ للأبِ أنْ يُجبِرَها على إرضاعِه، سَواءٌ كانَتِ الأمُّ شَريفةً أم دَنيئةً، وسَواءٌ كانَتْ في عِصمةِ الأبِ أم بائِنةً منه، إلا إذا تَعيَّنتْ بأنْ لم يَجدِ الأبُ مَنْ تُرضعُه غيرَها، أو لم يَقبلِ الطِّفلُ ثَديَ غيرِها، أو لم يَكنْ للأبِ ولا للطِّفلِ مالٌ، فيَجبُ عليها حِينئذٍ إرضاعُ وَلدِها.

واستَدلُّوا على ذلكَ بقَولِ اللهِ تعالَى: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٦]، دلَّ على أنها مُخيَّرةٌ إنْ شاءَتْ أرضَعَتْ، وإنْ شاءَتْ لم تُرضِعْ، وقالَ سُبحانَه: ﴿وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (٦)[الطلاق: ٦]، وإنْ كانَ الرَّضاعُ مُستحَقًّا لَمَا استَحقَّتْ عليهِ أجرًا.

ولأنه لا يَخلو مِنْ أنْ تُجبَرَ على رَضاعِه لحُرمةِ الوَلدِ أو لحُرمةِ الزَّوجِ أو لهُما.

ولا يَجوزُ أنْ يَكونَ لحُرمةِ الوَلدِ؛ لأنها لا تُجبَرُ عليهِ إذا كانَتْ مُطلَّقةً ثَلاثًا بإجماعٍ، وحُرمةُ الوَلدِ مَوجودةٌ.


(١) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٤/ ٧١، ٧٢)، رقم (١٤١٨)، و «شرح صحيح البخاري» (٧/ ٥٣٦)، و «تهذيب المدونة» (١/ ٣٩٢)، و «أحكام القرآن» لابن العربي (٤/ ٢٨٨)، و «البيان والتحصيل» (٥/ ٣٨١)، و «شرح مختصر خليل» (٤/ ٢٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>