للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القائِمِ، وَمَنْ صلَّى نَائِمًا -أي: مُضطَجِعًا- فلَه نِصفُ أَجرِ القاعِدِ».

وقُلنا فيما مَضَى: إنَّ العُلماءَ أجمَعُوا على جَوازِ صَلاةِ الرَّجلِ قاعِدًا مع قُدرَتِه على القِيامِ، إلا أنَّهم ههُنا لا يَرَونَ جَوازَ ذلك؛ فقد قالَ الكَمالُ ابنُ الهُمامِ : ولا نَعلمُ الصَّلاةَ نائِمًا تَسوغُ إلا في الفَرضِ حالةَ العَجزِ عن القُعودِ، ولا أعلَمُ جَوازَها في النَّافِلةِ في فِقهِنا (١).

وقد حَكى ابنُ نُجَيمٍ في البَحرِ عن شَرحِ المَشارِقِ بنَفيِ جَوازِه نائِمًا فقالَ: وردَ في بعضِ رِواياتِه: «ومَن صلَّى نائِمًا -أي: مُضطَجِعًا- فله نِصفُ أجرِ القاعِدِ»، ولا يُمكِنُ حَملُه على النَّفلِ مع القُدرةِ؛ إذ لا يَصحُّ مُضطَجِعًا، اللَّهمَّ إلا أن يُحكمَ بشُذوذِ هذه الرِّوايةِ (٢).

وقالَ الطَّحَاويُّ في «شَرحِ المُشكِلِ»: تأمَّلنَا قولَه : «مَنْ صلَّى نائِمًا فلهُ نِصفُ أجرِ المُصلِّي قاعِدًا»، فوَجَدنا المُصلِّي قاعِدًا الذي لا يَستَطيعُ الرُّكوعَ والسُّجودَ في قُعودِه ليس له أن يُصلِّيَ نائِمًا على جَنبَيهِ، فعَقَلنا بذلكَ أنَّه لم يُرِد بما في هذا الحَديثِ مِنْ هذا المعنَى مَنْ يُصلِّي نائِمًا وهو يُطِيقُ الصَّلاةَ قاعِدًا، يَركَعُ فيها ويَسجُدُ فيها، فكانَ مَنْ يُصلِّي قاعِدًا ممَّن لا يَستَطيعُ السُّجودَ إلا بالإيماءِ؛ له أن يُصلِّيَ على جَنبِه يُومِئُ بالرُّكوعِ والسُّجودِ، فعَقَلنَا بذلكَ أنَّه النَّائِمُ المَكتوبُ له بصَلاتِه كذلكَ نِصفُ أجرِ القاعِدِ؛ لأنَّه كانَ قادِرًا أن يُصلِّيَ قاعِدًا يُؤمِئُ في قُعودِه بالرُّكوعِ والسُّجودِ، فصلَّى نائِمًا يُومِئُ بالرُّكوعِ والسُّجودِ اختِيارًا منه لذلكَ على صَلاتِه قاعِدًا


(١) «شرح فتح القدير» (١/ ٤٦٠)، و «درر الحكام» (٢/ ٣١).
(٢) «البحرالرائق» (٢/ ٦٧)، و «حاشية الطحطاوي» (١/ ٢٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>