قالَ الشافِعيُّ: فإنْ قالَ قائلٌ: فلِمَ لم تُحرِّمْ برَضعةٍ واحدةٍ وقد قالَ بعضُ مَنْ مضَى أنها تُحرِّمُ؟
قيلَ: بما حكَينا أنَّ عائِشةَ تَحكي أنَّ الكتابَ يُحرِّمُ عشرَ رَضعاتٍ ثمَّ نُسخْنَ بخَمسٍ، وبما حكَيْنا أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ:«لا تُحرِّمُ الرَّضعةُ ولا الرَّضعتانِ»، وأمَرَ رَسولُ اللهِ ﷺ أنْ يُرضَعَ سالمٌ خمسَ رَضعاتٍ يحرمُ بهنَّ، فدَلَّ ما حكَتْ عائِشةُ في الكِتابِ وما قالَ رسول اللهِ ﷺ أنَّ الرّضَاعَ لا يُحرِّمُ بهِ على أقَلِّ اسمِ الرضاعِ، ولم يَكنْ في أحَدٍ مع النبيِّ ﷺ حُجةٌ (١).
وقالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: أنْ تكونَ الرَّضعاتُ مُتفرِّقاتٍ، وبهذا قالَ الشافِعيُّ، والمَرجعُ في مَعرفةِ الرَّضعةِ إلى العُرفِ؛ لأنَّ الشرعَ ورَدَ بها مُطلقًا، ولم يَحُدَّها بزَمنٍ ولا مِقدارٍ، فدلَّ ذلكَ على أنه رَدَّهم إلى العُرفِ، فإذا ارتَضعَ الصبيُّ وقطَعَ قطعًا بيِّنًا باختيارِه كانَ ذلكَ رَضعةً، فإذا عادَ كانتْ رَضعةً أخرَى، فأما إنْ قطَعَ لضيقِ نفَسٍ أو للانتقالِ مِنْ ثديٍ إلى ثديٍ أو لشيءٍ يُلهبُه أو قطَعَتْ عليه المُرضِعةُ نظَرْنا، فإنْ لم يَعُدْ قريبًا فهي رضعةٌ.
وإنْ عادَ في الحالِ ففيه وَجهانِ:
أحَدُهما: أنَّ الأُولى رضعةٌ، فإذا عادَ فهي رَضعةٌ أخرَى، وهذا اختيارُ
(١) «الأم» (٥/ ٢٧)، و «الحاوي الكبير» (١١/ ٣٦١، ٣٧٠)، و «المهذب» (٢/ ١٥٦)، و «البيان» (١١/ ١٤٤، ١٤٦)، و «شرح النووي على صحيح مسلم» (١٠/ ٢٩)، و «روضة الطالبين» (٦/ ٩، ١٠)، و «أسنى المطالب» (٣/ ٤١٧)، و «النجم الوهاج» (٨/ ٢٠٤)، و «مغني المحتاج» (٥/ ١٣٤).