للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستباحةِ لم يَفتقرْ إلى العَددِ كالنكاحِ والوَطءِ، ولأنه شُربٌ لا يَعدوهُ في العُرفِ، فوجَبَ أنْ لا يقَعَ به التحريمُ كرَضاعِ الكَبيرِ، ولأنَّ ما يَقعُ به التَّحريم نَوعانِ: أقوالٌ وأفعالٌ، فلمَّا كانَ مِنْ الأقوالِ ما يَفتقرُ إلى العَددِ وهو اللِّعانُ وجَبَ أنْ يكونَ مِنْ الأفعالِ ما يَفتقرُ إلى العَددِ وهو الرَّضاعُ.

وتَحريرُه: أنه أحَدُ فَرعيِ التحريمِ، فوجَبَ أنْ يكونَ منه ما يَفتقرُ إلى العَددِ كالأقوالِ، ولأنَّ وُصولَ اللبنِ إلى الجَوفِ إذا عَرَى عن عَددٍ لم يَقعْ به التحريمُ كالحُقنةِ والسَّعطةِ.

فأما الجَوابُ عن الآيةِ فمِن وَجهينِ:

أحَدُهما: أنَّ قولَه: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] يَقتضي إثباتَها أمًّا أولًا ثم تُرضعُ فتَحرمُ، وليسَ في عُمومِ الآيةِ ما يَدلُّ على إثباتِها أمًّا، ولو قالَ: «واللاتِي أرضَعْنَكم هُنَّ أمهاتِكُم» صَحَّ لهم استِعمالُ العُمومِ.

والثاني: أنه لا فرْقَ بينَ تَقدُّمِ الوَصفِ للمَوصوفِ وتأخُّرِه في استِعمالِه على عُمومِه ما لم يَرِدْ تَخصيصٌ، وقد خَصَّه ما روينَاهُ مِنْ الأخبارِ التي قصَدَ بها قدْرَ ما يَقعُ به التحريمُ.

فعَلى هذا لا يَثبتُ التحريمُ إلا بخَمسِ رَضعاتٍ مُتفرِّقاتٍ؛ لأنَّ الشرعَ ورَدَ بها مُطلقًا، فحُملَ على العُرفِ، والعُرفُ في الرَّضعاتِ أنْ يَرتضعَ ثم يَقطعَه باختيارِه مِنْ غيرِ عارضٍ ثم يَعودَ إليه بعدَ زَمانٍ ثم يَرتضعَ ثم يَقطعَه، وعلى هذا إلى أنْ يَستوفِيَ العدَدَ، كما أنَّ العادةَ في الأكَلاتِ أنْ تكونَ مُتفرقةً

<<  <  ج: ص:  >  >>