للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنْ لم يُعلمْ أبوهُ ردَّ إلى مَولاهُ، فجاءَتْ سَهلةُ بنتُ سُهيلٍ وهي امرَأةُ أبي حُذيفةَ وهي مِنْ بَني عامرِ بنِ لؤيٍّ إلى رَسولِ اللهِ فقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ كنَّا نرَى سالمًا ولَدًا، وكانَ يَدخلُ عَليَّ وأنا فُضُلٌ، وليسَ لنا إلا بَيتٌ واحِدٌ، فماذا تَرَى في شأنِه؟ فقالَ لها رَسولُ اللهِ : «أرضِعيهِ خمسَ رَضعاتٍ فيَحرُمُ بلَبنِكِ»، ففعَلَتْ، وكانَتْ تَراهُ ابنًا مِنْ الرَّضاعةِ، فأخذَتْ بذلكَ عائِشةُ أمُّ المُؤمنينَ فيمن كانت تُحبُّ أنْ يَدخلَ عليها مِنْ الرِّجالِ، فكانَتْ تَأمرُ أُختَها أمَّ كُلثومٍ بنتَ أبي بَكرٍ الصدِّيقِ وبَناتِ أخِيها أنْ يُرضعْنَ مَنْ أحبَّتْ أنْ يَدخلَ عليها مِنْ الرجالِ، وأبَى سائِرُ أزواجِ النبيِّ أنْ يَدخلَ عليهنَّ بتلكَ الرَّضاعةِ أحَدٌ مِنْ الناسِ وقُلْنَ: لا واللهِ ما نرَى الذي أمَرَ به رَسولُ اللهِ سَهلةَ بنتَ سُهيلٍ إلا رُخصةً مِنْ رَسولِ اللهِ في رَضاعةِ سالمٍ وحْدَه، لا واللهِ لا يَدخلُ علينا بهذهِ الرَّضاعةِ أحَدٌ، فعَلى هذا كانَ أزواجُ النبيِّ في رَضاعةِ الكبيرِ» (١).

ولو تَعلَّقَ التحريمُ بدونِ الخَمسِ لم يَكنْ لذِكرِ الخَمسِ معنًى، ولَكانَ النبيُّ أمَرَ امرأةَ أبي حُذيفةَ أنْ تُرضعَ سالمًا ثلاثًا، وهذا يَقضِي على إطلاقِ ما تقدَّمَ، وكذا على مَفهومِه؛ إذ غايتُه عُمومٌ.

والدَّليلُ مِنْ طَريقِ المَعنى أنَّ كلَّ سَببٍ رُفعَ به التَّحريمُ المؤبَّدُ إذا عَرَى عن جنسِ الاستباحةِ افتَقرَ إلى العددِ كاللِّعانِ، وما لم يَعْرَ عن جِنسِ


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه الإمام مالك في «الموطأ» (١٢٦٥)، وابن حبان في «صحيحه» (٤٢١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>