للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعقدِ النكاحِ، ولأنه حُكمٌ يَتعلقُ بالشُّربِ، فوجَبَ أنْ لا يُعتبَرَ فيه العَددُ كحَدِّ الخَمرِ، ولأنَّ الواصلَ إلى الجَوفِ يَتعلقُ به الفِطرُ تارةً وتَحريمُ الرَّضاعِ أُخرى، فلمَّا لم يُعتبَرِ العَددُ في الفِطرِ لم يُعتبَرْ في الرضاعِ (١).

وذهَبَ الشافِعيةُ في المَذهبِ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ ما يَثبتُ به الرضاعُ هو خَمسٌ رَضعاتٍ مُتفرِّقاتٍ، ولا يَثبتُ بما دونَها؛ لِما رَواهُ مُسلمٌ عن عَمرةَ عن عائِشةَ أنها قالَتْ: «كانَ فيما أُنْزِلَ مِنْ القُرآنِ عَشرُ رَضَعاتٍ مَعلوماتَ يُحَرِّمْنَ، ثمَّ نُسخْنَ بخَمسٍ مَعلوماتَ، فتُوفِّيَ رَسولُ اللهِ وهُنَّ فيما يُقرأُ مِنْ القُرآنِ» (٢).

ومَعناهُ أنَّ النسخَ بخَمسِ رَضعاتٍ تأخَّرَ إنزالُه جِدًّا، حتى أنه تُوفِّيَ وبَعضُ الناسِ يَقرأُ خَمْس رَضَعاتٍ ويَجعلُها قُرآنًا مَتلوًّا؛ لكَونِه لم يَبلغْه النَّسخُ لقُربِ عَهدِه، فلمَّا بلَغَهم النسخُ بعدَ ذلك رَجَعوا عن ذلكَ وأجمَعُوا على أنَّ هذا لا يُتلَى (٣).


(١) «شرح مشكل الآثار» (١١/ ٤٩٩، ٥٠٠)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٣١٤)، و «أحكام القرآن» (٣/ ٦٦، ٦٧)، و «بدائع الصنائع» (٤/ ٧، ٨)، و «المبسوط» (٥/ ١٣٤)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٣٧٣)، و «اللباب» (٢/ ٦١)، و «مختصر الوقاية» (١/ ٣٨١)، و «تبيين الحقائق» (٢/ ١٨١)، و «الاستذكار» (٦/ ٢٤٩، ٢٥٢)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٤/ ٤٩، ٥٠)، رقم (١٤٠٠)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٢٧)، و «تفسير القرطبي» (٥/ ١٠٩)، و «الإفصاح» (٢/ ٢٠٤)، و «روضة الطالبين» (٦/ ٩، ١٠)، و «المغني» (٨/ ١٣٧).
(٢) أخرجه مسلم (٣٣٠٧).
(٣) قالَ الإمامُ النَّوويُّ بعدَ أنْ ذكَرَ هذا الكلامَ: والنَّسخُ ثَلاثةُ أنواعٍ: أحَدُها: ما نُسخَ حُكمُه وتِلاوتُه، كعَشرِ رَضعاتٍ، والثاني: ما نُسخَتْ تِلاوتُه دونَ حُكمِه، كخَمسِ رَضعاتٍ وكالشَّيخ والشَّيخَة إذا زنَيَا فارجُموهُما، والثالثُ: ما نُسخَ حُكمُه وبَقيتْ تِلاوتُه، وهذا هو الأكثَرُ، ومنه قولُه تعالَى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ﴾ الآيَة، واللهُ أعلَمُ. «شرح النووي على صحيح مسلم» (١٠/ ٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>