للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلكَ ما قد دَلَّ على استواءِ قَليلِه وكَثيرِه في الحُرمةِ؛ لأنه لو كانَ مِنْ شَريعتِه أنْ لا تُحرِّمَ الرَّضعةُ والرَّضعتانِ إلى العَددِ المَذكورِ في ذلك الحَديثِ لَاستحالَ أنْ يكونَ رَسولُ اللهِ يَأمرُ الذي سأَلَه بفِراقِ مَنْ قد أرضَعَتْه، والمَرأةُ التي قد تزوَّجَها المَرأةُ التي ذكَرَتْ له أنها أرضَعَتْهما رَضاعًا لا يَمنعُ مِنْ تَزويجِه إياها، ولكنْ يَقفُ عُقبةَ فيقولُ له: سَلْها عن عَددِ الرَّضاعِ الذي أرضَعَتْكُما كم هو؟ ليَقفَ بذلكَ على أنه مِنْ الرَّضاعِ الذي يُحرِّمُ عليه أنْ يَتزوَّجَها إذا كانَ في الحَقيقةِ كذلكَ، والتورُّعُ عن ذلكَ إذا كانَ الشكُّ فيه، أو أنه مِنْ الرضاعِ الذي لا يُحرِّمُ عليه تَزويجَها فيُخلِّيهِ وذلكَ التزويجَ، وفي تَركِه كذلكَ ما قد دَلَّ على أنه لا فرْقَ كانَ عندَه بينَ قليلِ الرَّضاعِ وبينَ كثيرِه في الحُرمةِ.

ورُويَ عن ابنِ عُمرَ أنه قالَ: «الرَّضعةُ الواحِدةُ تُحرِّمُ».

ورُويَ أنه «لمَّا بلَغَه أنَّ عبدَ اللهِ بنَ الزُّبيْرِ يقولُ: لا تُحرِّمُ الرَّضعةُ والرَّضعتانِ، فقالَ: قَضاءُ اللهِ خيرٌ مِنْ قَضاءِ ابنِ الزُّبيرِ، وتَلا قَولَه تعالَى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ [النساء: ٢٣]».

ورُويَ أنه «لمَّا بلَغَه أنَّ عائِشةَ تَقولُ: لا تُحرِّمُ المصَّةُ والمَصَّتانِ، فقالَ: حُكمُ اللهِ تعالَى أولَى وخَيرٌ مِنْ حُكمِها».

ولأنَّ كلَّ معنًى أوجَبَ حُرمةً يَقتضي تَحريمًا مؤبَّدًا فإنه يُعتبَرُ وُجودُ تَحريمِه مِنْ غيرِ عَددٍ، أصلُه العقدُ والوطءُ.

ومِن القياسِ أنَّ ما وقَعَ به التحريمُ المُؤبَّدُ لم يُعتبَرْ فيه العَددُ كالوطءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>