مِنْ ثبوتِ التحريمِ وجَبَ أنْ يكونَ انفصالُه بعدَ موتِ الأمِّ مانعًا مِنْ ثُبوتِ التحريمِ، وتَحريرُه أنه أحَدُ جِهتَي التحريمِ، فوجَبَ أنْ يَمنعَ الموتُ مِنْ ثبوتِ التحريمِ كالوَلدِ، ولأنَّ الموتَ لمَّا أسقَطَ حُرمةَ وَطئِها وجَبَ أنْ يُسقطَ حُرمةَ لبنِها كالزِّنا، ولأنَّ الرَّضاعَ كالجِنايةِ لِما يَتعلقُ به مِنْ ضَمانِ التَّحريمِ، والميتُ لا يَثبتُ حُكمُ الجِنايةِ في حقِّه وإنْ ثبَتَ في حقِّ النائمِ والمَجنونِ، ألَا تَرى أنَّ ميتًا لو سقَطَ على رَجلٍ فقتَلَه لم يَضمنْه، ولو سقَطَ عليه نائِمٌ أو مَجنونٌ ضَمِنَه، ولا يَدخلُ على هذا حافرُ البِئرِ إذا حدَثَتْ بها جِنايةٌ بعدَ موتِه؛ لوُجودِ الحَفرِ منه في حياتِه، وإذا سقَطَ بالموتِ حُكمُ الجِنايةِ سقَطَ بها حُكمُ الضمانِ.
ولأنَّ لبَنَ الرَّضاعِ ما أنبَتَ اللحمَ وأنشَزَ العَظمَ، ولهذا المَعنى لم يَثبتْ رَضاعُ الكبيِر، ولَبنُ المَيتةِ داءٌ لا يَنبتُ به اللَّحمُ ولا يَنتشرُ به العَظمُ، فلَم يَثبتْ به التحريمُ (١).
وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والحَنابلةُ إلى أنَّ لبَنَ المرأةِ الميتةِ كلَبنِ الحيَّةِ، فإذا شَربَ الطفلُ مِنْ ثَديها أو حُلبَ اللبنُ مِنْ ثَديها بعدَ موتِها فأُوجرَ الصبيُّ ثبَتَتْ به الحُرمةُ؛ لعُمومِ قَولِ النبيِّ ﷺ:«يَحرمُ مِنْ الرَّضاعِ ما يَحرمُ مِنْ النَّسبِ»، واسمُ الرضاعِ لا يَقفُ على
(١) «الحاوي الكبير» (١١/ ٣٧٦، ٣٧٧)، و «المهذب» (٢/ ١٥٧)، و «مغني المحتاج» (٥/ ١٣١)، و «تحفة المحتاج» (١٠/ ١١٠)، و «المغني» (٨/ ١٤٠، ١٤١).