مِنْ دَواعي التَّزويجِ التي مُنعَتْ منه حتى تَخرجَ مِنْ العدَّةِ احتياطًا للمَيتِ؛ إذ قد زالَتْ مُراعاتُه لها، لكنْ إذا دخَلَتْ على الناسِ المَشقةُ مِنْ قَطعِها رُفعَتْ عنهُم، ودلَّتْ إباحتُه ﵇ للكُحلِ بالليلِ أنَّ نهيَه عنه في الحَديثِ الآخَرِ ليسَ على وَجهِ التَّحريمِ، وإنما هو على الكَراهيةِ، فمَن شاءَ أخَذَ بالشِّدةِ على نَفسِه كما فعَلَتْ صَفيةُ بنتُ أبي عُبيدٍ في تَركِ الكُحلِ حتى كادَتْ عَيناها تَرمضانِ، ومَن شاءَ أخَذَ بالرُّخصةِ في ذلكَ، فقدْ أجازَ ذلكَ جَماعةٌ مِنْ السَّلفِ، ذكَرَ مالِكٌ في «المُوطَّأ» أنه بلَغَه عن سالمِ بنِ عبدِ اللهِ وسُليمانَ بنِ يَسارٍ أنهُما أجازَا للمُتوفَّى عنها زَوجُها إذا خَشيَتْ على بَصرِها مِنْ شَكوى بها أنْ تَكتحلَ وتَتداوَى بما فيه طِيبٌ.
قالَ مالِكٌ: فإذا كانَتِ الضَّرورةُ فإنَّ دِينَ اللهِ يُسرٌ.
وقد قالَ في «المُختصَر الصَّغير»: لا تَكتحلُ إلا أنْ تَضطرَّ إليه مِنْ غيرِ طِيبٍ يَكونُ فيه.
وقالَ الشافعيُّ: كلُّ كُحلٍ فيه زِينةٌ للعَينِ مثلَ الإثمِدِ وشبهِهِ فلا خيرَ فيهِ، وأما الفارِسيُّ وشبهُه عندَ الضَّرورةِ فلا بأسَ به؛ لأنه ليسَ بزِينةٍ، بل يَزيدُ العَينَ قُبحًا، وما اضطرَّ إليه ممَّا فيه زِينةٌ اكتَحلَتْ به لَيلًا ومَسحَتْه نهارًا، واحتَجَّ ببَلاغٍ مالكٍ عن أمِّ سَلمةَ.
قالَ الشافِعيُّ: فالصَّبْرُ يُصفرُ العينَ، فيكونُ زِينةً وليسَ بطِيبٍ، فأَذِنَ لها النبيُّ ﷺ فيه باللَّيلِ حتى لا ترَى، فكَذلكَ ما أشبَهَه.