وإنما مُنعَ مِنْ الكُحلِ بالإثمِدِ لأنه الذي تَحصلُ به الزِّينةُ.
فأما الكُحلُ بالتُّوتيَا والعَنزَروتِ ونَحوِهما فلا بأسَ به؛ لأنه لا زِينةَ فيه، بل يُقبِّحُ العَينَ ويَزيدُها مَرَهًا، ولا تُمنعُ مِنْ جَعلِ الصَّبْرِ على غيرِ وَجهِها مِنْ بَدنِها؛ لأنه إنما مُنعَ منه في الوَجهِ لأنه يُصفِّرُه فيُشبِهُ الخِضابَ، ولهذا قالَ النبيُّ ﷺ:«إنه يَشُبُّ الوَجهَ»(١).
وجُمهورُ فُقهاءِ المَذاهبِ الأربَعةِ قالُوا: إنَّ ما رُويَ عن النبيِّ ﷺ أنه نَهى المُحدَّةَ عن الاكتِحالِ مُطلَقًا لأنه اشتَكَتْ إليه امرأةٌ عَينَها فلَم يأذَنْ لها مِنْ الكُحلِ لا لَيلًا ولا نَهارًا لا مِنْ ضَرورةٍ ولا مِنْ غيرِها وقالَ: «لا» مرَّتينِ أو ثَلاثةً، ولم يَقلْ:«إلا أنْ تَضطرَّ».
قالُوا: المَقصودُ أنَّ النبيَّ ﷺ نَهاها عن الكُحلِ لأنها لم تَبلغْ مَبلغًا لا بُدَّ فيه مِنْ الكُحلِ، ولو كانَتْ مُحتاجةً إلى ذلكَ مُضطرةً تَخافُ ذَهابَ بَصرِها لَأباحَ لها ذلكَ كما صنَعَ بالتي قالَ لها:«اجعَليهِ باللَّيلِ وامسَحيهِ بالنَّهارِ»، والنَّظرُ يَشهدُ لهذا التأويلِ؛ لأنَّ الضَّروراتِ تَنقلُ المَحظورَ إلى حالِ المُباحِ في الأصولِ.
قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ ﵀: والنَّظرُ يَشهدُ لذلكَ؛ لأنَّ المُضطَّرَ إلى شَيءٍ لا يُحكمُ له بحُكمِ المُترفِّهِ المُتزيِّنِ، وليسَ الدَّواءُ والتَّداوي مِنْ الزِّينةِ في شَيءٍ، وإنما نُهيَتِ الحادُّ عن الزِّينةِ لا عن التَّداوي، وأمُّ سَلمةَ أعلَمُ بما