للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيلَ له: قدِ اتَّفقَ الجَميعُ على أنَّ السُّكوتَ في ذلكَ إذا مَضتْ مُدةٌ مِنْ الزمانِ بمَنزلةِ الرِّضا بالقولِ، إلا أنهُم اختَلفوا فيها، وأكثَرُ مِنْ وَقَّتَ فيها أربعِينَ يَومًا، وذلكَ لا دَليلَ عليهِ، وليسَ اعتِبارُ هذهِ المُدةِ بأَولى مِنْ اعتبارِ ما هو أقَلُّ مِنها.

وذهَبَ أبو يُوسفَ ومُحمدٌ إلى أنَّ الأربَعينَ هي مُدةُ أكثرِ النفاسِ، وحالُ النِّفاسِ هي حالُ الوِلادةِ، فما دامَتْ على حالِ الوِلادةِ قُبِلَ نَفيُه، وهذا ليسَ بشَيءٍ؛ لأنَّ نَفيَ الوَلدِ لا تَعلُّقَ له بالنفاسِ (١).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ في الجَديدِ والحَنابلةُ إلى أنه يُشترطُ التَّعجيلُ لنَفيِ الحَملِ أو الوَلدِ عن الزوجِ، فلو عَلِمَ الزوجُ بالحَملِ أو الوِلادةِ فسَكتَ عن نَفيِه بعدَ عِلمِه ثم أراد أنْ يَنفيَه باللعانِ فليسَ له ذلكَ ويُحَدُّ حَدَّ القَذفِ.

قالَ المالِكيةُ: الحَملُ إذا كانَ بَيِّنًا ظاهرًا بالزوجةِ وسَكتَ عنه الزوجُ مُدةً بعدَ عِلمِه به -ولا يَتقيَّدُ بزَمانٍ- ثمَّ أرادَ أنْ يَنفيَه بلِعانٍ فإنه لا يُمكَّنُ مِنْ اللعانِ؛ لأنَّ العُرفَ يُكذِّبُه؛ لأنه ليسَ لسُكوتِه وجهٌ يُحمَلُ عليهِ إلا الرِّضا؛ لأنه لو أرادَ نَفيَه لم يَسكتْ عنه، فلمَّا سَكتَ عنه وهو قادِرٌ على نَفيِه ولا


(١) «أحكام القرآن» (٥/ ١٤١)، و «بدائع الصنائع» (٣/ ٢٤٦)، و «عمدة القاري» (٢٠/ ٣٠٢)، و «البحر الرائق» (٤/ ١٢٨)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٥٦٩، ٥٧٠)، و «اللباب» (٢/ ١٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>