وعلى هذا الغائِبُ عنِ امرأتِه إذا ولَدَتْ ولم يَعلمْ بالوِلادةِ حتى قَدِمَ أو بَلغَه الخبَرُ وهو غائِبٌ أنه له أنْ يَنفيَ عندَ أبي حَنيفةَ في مِقدارِ تَهنئةِ الولدِ وابتياعِ آلاتِ الوِلادةِ، فإذا مَضَتْ مُدةٌ قد كانَ يُمكِنُه فيها نَفيُ الولدِ وكانَ منه قَبولٌ للتهنئةِ أو ظهَرَ منه ما يَدلُّ على أنه غيرُ نافٍ له لم يَكنْ له بعدَ ذلكَ أنْ يَنفيَه عندَ أبي حَنيفةَ، وتَحديدُ الوقتِ ليسَ عليهِ دَلالةٌ، فلمْ يَثبتْ، واعتُبِرَ ما ذكَرْنا مِنْ ظُهورِ الرِّضا بالوَلدِ ونحوِه (١).
وذهَبَ الصاحِبانِ مِنْ الحَنفيةِ أبو يُوسفَ ومُحمدٌ إلى أنه إنْ نَفاهُ في مُدةِ النفاسِ -وهيَ أربَعونَ يَومًا- صَحَّ نَفيُه، وحالُ النِّفاسِ هي حالُ الوِلادةِ، فما دامَتْ على حالِ الوِلادةِ قُبِلَ نفيُه.
قالَ أبو بَكرٍ الجصَّاصُ ﵀: وأما تَوقيتُ نَفيِ الوَلدِ فإنَّ طَريقَه الاجتِهادُ وغالِبُ الظنِّ، فإذا مَضتْ مُدةٌ قد كانَ يُمكِنُه فيها نَفيُ الولدِ وكانَ منهُ قَبولٌ للتَّهنئةِ أو ظهَرَ منه ما يَدلُّ على أنه غيرُ نافٍ له لم يَكنْ له بعدَ ذلكَ أنْ يَنفيَه عندَ أبي حَنيفةَ، وتَحديدُ الوقتِ ليسَ عليهِ دَلالةٌ، فلمْ يَثبتْ، واعتُبِرَ ما ذكَرْنا مِنْ ظُهورِ الرِّضا بالولدِ ونحوِه.
فإنْ قيلَ: لمَّا لم يَكنْ سُكوتُه في سائرِ الحُقوقٍ رضًا بإسقاطِها كانَ كذلكَ نَفيُ الوَلدِ.
(١) «أحكام القرآن» (٥/ ١٤١)، و «بدائع الصنائع» (٣/ ٢٤٦)، و «عمدة القاري» (٢٠/ ٣٠٢)، و «البحر الرائق» (٤/ ١٢٨)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٥٦٩، ٥٧٠)، و «اللباب» (٢/ ١٤٠).