للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ ومُحمدٌ والإمامُ أحمَدُ في رِوايةٍ إلى أنَّ الزوجَ لا يَجوزُ له أنْ يَجتمعَ مع زَوجتِه مرَّةً أخرَى ما دامَا على لِعانِهما، فإذا أكذَبَ نفْسَه وأُقيمَ عليهِ حَدُّ القَذفِ جازَ له أنْ يَتزوجَها؛ لأنَّنا جَميعًا أجمَعْنا على أنه إنْ أكذَبَ نفْسَه جُلدَ الحَدَّ ولَحقَ به الولدُ، فكذلكَ يَعودُ النكاحُ حَلالًا كما عادَ الوَلدُ؛ لأنه لا فرْقَ بينَ شَيءٍ مِنْ ذلكَ، وعلى هذا يكونُ خاطِبًا مِنْ الخُطَّابِ.

وأما حَديثُ الزُّهريِّ عن سَهلِ بنِ سَعدٍ الساعِديِّ بقصَّةِ مُلاعَنةِ رَسولِ اللهِ بينَ الزَّوجينِ اللذَينِ لاعَنَ بينَهُما قالَ سَهلٌ: «مَضَتْ السُّنةُ بعدُ في المُتَلاعنَينِ أنْ يُفرَّقَ بينَهُما ثمَّ لا يَجتمِعانِ أبدًا» (١) فالجَوابُ عن هذا أنه قد يَجوزُ أنْ يَكونَ كانَ ذلكَ في المُلاعِنِ عندَما كانَ قائِمًا على القَذفِ الذي بهِ لاعَنَ زوْجتَه، وقد وجَدْنا عن الزُّهريَّ مِنْ مَذهبِه في ذلكَ أيضًا كما قد ذكَرْنا مِنْ هذا الاحتِمالِ، فإنه رُويَ عنه أنه قالَ في المُتلاعنَينِ: «لا يَتراجَعانِ أبدًا إلا أنْ يُكذِّبَ نفْسَه، فيُجلدُ الحَدَّ ويَظهرُ بَراءَتُها، فلا جُناحَ عليهِما أنْ يَتراجَعَا».

ورُويَ أيضًا ذلكَ عن سَعيدِ بنِ المُسيبِ أنَّ المُلاعِنَ إذا أكذَبَ نفْسَه رُدَّتْ إليه امرَأتُه، أي: بعَقدٍ جَديدٍ.


(١) حَدِيثٌ صَحِيحُ: رواه أبو داود (٢٢٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>