وفي هذا الخبَرِ دَلالةٌ على أنَّ اللعانَ لم يُوجِبِ الفُرقةَ؛ لقولِه:«كَذَبتُ عليها يا رسولَ اللهِ إنْ أمسَكتُها»؛ وذلك لأن فيه إخبارًا منه بأنه مُمسِكٌ لها بعدَ اللعانِ على ما كانَ عليهِ مِنْ النكاحِ؛ إذْ لو كانَتِ الفُرقةُ قد وقَعَتْ قبلَ ذلكَ لَاستَحالَ قولُه:«كَذَبتُ عليها إنْ أمسَكتُها» وهو غيرُ مُمسِكٍ لها، فلما أخبَرَ بعدَ اللعانِ بحَضرةِ النبيِّ ﷺ أنه مُمسِكٌ لها ولم يُنكِرْه النبيُّ ﷺ دَلَّ ذلكَ على أنَّ الفُرقةَ لم تَقعْ بنَفسِ اللعانِ؛ إذْ غيرُ جائزٍ أنْ يُقِرَّ النبيُّ ﷺ أحَدًا على الكَذبِ ولا على استِباحةِ نِكاحٍ قد بَطلَ، فثبَتَ أنَّ الفُرقةَ لم تَقعْ بنَفسِ اللعانِ.
ويَدلُّ عليه أيضًا ما رُويَ أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ لاعَنَ بينَ عُويمرٍ العَجلانِيِّ وبينَ امرَأتِه، فلمَّا فرَغَا مِنْ اللعانِ فرَّقَ بينَهُما ثم قالَ ﵊:«اللهُ يَعلَمُ أنَّ أحَدَكُما لَكاذبٌ فهلْ منكُما تائبٌ؟ قالَ ذلكَ ثَلاثًا، فأبَيَا، ففرَّقَ بينَهُما».