فدَلَّتِ الأحاديثُ على أنَّ الفُرقةَ لا تَقعُ بلعانِ الزَّوجِ ولا بلِعانِها؛ إذْ لو وقَعَتْ لَمَا احتملَ التَّفريق مِنْ رَسولِ اللهِ بعدَ وُقوعِ الفُرقةِ بينَهُما بنَفسِ اللعانِ، ولأنَّ مِلكَ النكاحِ كانَ ثابتًا قبلَ اللعانِ، والأصلُ أنَّ المِلكَ متَى ثبَتَ لإنسانٍ لا يَزولُ إلا بإزالتِه أو بخُروجِه مِنْ أنْ يكونَ مُنتَفعًا به في حقِّه لعَجزِه عن الانتِفاعِ بهِ، ولم تُوجَدِ الإزالةُ مِنْ الزوجِ؛ لأنَّ اللعانَ لا يُنبِئُ عن زَوالِ المِلكِ؛ لأنه شَهادةٌ مُؤكَّدةٌ باليَمينِ أو يَمينٌ، وكُلُّ واحدٍ منهُما لا يُنبئُ عن زَوالِ المِلكِ، ولهذا لا يَزولُ بسائرِ الشَّهاداتِ والأيمانِ، والقُدرةُ على الامتناعِ ثابتةٌ، فلا تَقعُ الفُرقةُ بنَفسِ اللعانِ.
ولأنَّ اللهَ تَعالى خاطَبَ الأزواجَ باللعانِ بقَولِه ﷿: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾ [النور: ٦] إلى آخِرِ ما ذكَرَ، فلو ثَبتَتِ الفُرقةُ بلِعانِ الزوجِ فالزوجةُ تُلاعِنُه وهي غيرُ زَوجةٍ، وهذا خِلافُ النصِّ.
ولأنها فُرقةٌ لا يَثبتُ سَببُها إلا عندَ الحاكِمِ، فلم تَقعْ بينَهُما إلا بحُكمِ الحاكِمِ، كالعُنَّةِ التي لم يَثبتْ سَببُها في ضَربِ المُدةِ إلا بحُكمِ الحاكِمِ ولم تَقعِ الفُرقةُ فيها إلا بحُكمٍ، ولأنَّ اللعانَ سَببٌ يَخرجُ به القاذفُ مِنْ قَذفِه، فوجَبَ أنْ لا تَقعَ الفُرقةُ إلا بحُكمٍ كالبيِّنةِ، ولأنَّ الفُرقةَ لا تَقعُ إلا بما يَختصُّ بألفاظِها مِنْ صَريحٍ أو كِنايةٍ، وليسَ في اللعانِ صَريحٌ ولا كِنايةٌ (١).
(١) «أحكام القرآن» (٥/ ١٥٠، ١٥١)، و «بدائع الصنائع» (٣/ ٢٤٤، ٢٤٥)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٥٦٣)، و «حاشية ابن عابدين» (٣/ ٤٨٨)، و «المغني» (٨/ ٥٢، ٥٣)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٥٢٠، ٥٢١).