للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُؤبَّدَ، فلمْ يَقفْ على حُكمِ الحاكمِ كالرَّضاعِ، ولأنَّ الفُرقةَ لو لم تَحصلْ إلا بتَفريقِ الحاكِم لَساغَ تَركُ التفريقِ إذا كَرِهاهُ كالتفريقِ للعَيبِ والإعسارِ ولَوجَبَ أنَّ الحاكِمَ إذا لم يُفرِّقْ بينَهُما أنْ يَبقَى النكاحُ مُستمِرًّا، وقولُ النبيِّ : «لا سَبيلَ لكَ عليها» (١) يَدلُّ على هذا، وتَفريقُه بينَهُما بمَعنى إعلامِه لهُما بحُصولِ الفُرقةِ.

ولا تَقعُ الفُرقةُ بلعانِ الزوجِ وحْدَه؛ لأنَّ الشَّرعَ إنما وَردَ بالتفريقِ بينَ المُتلاعِنينِ، ولا يَكونانِ مُتلاعنَينِ بلِعانِ أحَدِهما، وإنما فرَّقَ النبيُّ بينَهُما بعدَ تَمامِ اللعانِ منهُما، فالقولُ بوُقوعِ الفُرقةِ قبلَه تَحكُّمٌ يُخالِفُ مَدلولَ السُّنةِ وفِعلَ النبيِّ ، ولأنَّ لفْظَ اللعانِ لا يَقتضي فُرقةً؛ فإنه إمَّا أيمانٌ على زِناها أو شَهادةٌ بذلكَ، ولولا وُرودُ الشَّرعِ بالتفريقِ بينَهُما لم يَحصلِ التفريقُ، وإنما ورَدَ الشَّرعُ به بعدَ لِعانِهما، فلا يَجوزُ تَعليقُه على بعضِه كما لم يَجُزْ تَعليقُه على بَعضِ لِعانِ الزوجِ، ولأنه فَسخٌ ثبَتَ بأيمانِ مُختلِفَينِ، فلمْ يَثبتْ بيمينِ أحَدِهما كالفَسخِ لتَحالفِ المُتبايعينِ عندَ الاختلافِ (٢).


(١) رواه البخاري (٥٠٠٦، ٥٠٣٥)، ومسلم (١٤٩٣).
(٢) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٥١٩، ٥٢٠)، و «شرح ابن ناجي التنوخي على متن الرسالة» (٢/ ٨٢، ٨٣)، و «المقدمات الممهدات» (١/ ٦٣٧)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٩١)، و «المغني» (٨/ ٥٢، ٥٣)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٥٢٠، ٥٢١)، و «كشاف القناع» (٥/ ٤٦٩)، و «شرح منتهى الإرادات» (٥/ ٥٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>