ويَدلُّ عليه مِنْ طَريقِ المعنَى أنها فُرقةٌ تَجرَّدتْ عن عِوضٍ، فإذا لم يَجُزْ تَفرُّدُ الزوجةِ بها جازَ أنْ يَنفردَ الزوجُ بها كالطلاقِ، ولأنه قَولٌ يَمنعُ إقرارَ الزَّوجينِ على الزوجيةِ، فوجَبَ أنْ يكونَ حُكمُ الحاكمِ فيه تَنفيذًا لا إيقاعًا، كالبيِّنةِ على الطلاقِ والإقرارِ به، ولأنَّ الأقوالَ المُؤثِّرةَ في الفُرقةِ لا يُفتقرُ إلى وُجودِها مِنْ جِهتِها كالطلاقِ، ولأنَّ اللعانَ يَمينٌ عندَنا وشَهادةٌ عندَ أبي حَنيفةَ، والحُكمُ بكُلِّ واحدٍ منهُ تَنفيذٌ وليسَ بإيقاعٍ، ولأنَّ حُكمَ التنفيذِ يَجوزُ مِنْ غيرِ طَلبٍ كالحاكمِ بشَهادةٍ أو يَمينٍ، وحُكمُ الإيقاعِ لا يَجوزُ إلا بعدَ الطَّلبِ كالفَسخِ في العُنَّةِ والإعسارِ بالنَّفقةِ، وفُرقةُ اللعانِ لا تَفتقرُ إلى طَلبٍ، فدَلَّ على اختصاصِها بالتنفيذِ دُونَ الإيقاعِ، ولأنَّ اللعانَ تَقعُ به الفُرقةُ ويَنتفي به النَّسبُ، فلمَّا اختصَّ نفيُ النَّسبِ بلعانِ الزوجِ وجَبَ أنْ يكونَ وُقوعُ الفُرقةِ بمَثابتِه؛ لأنه أحَدُ حُكمَيِ اللعانِ (١).
وذهَبَ المالِكيةُ في المَشهورِ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ الفُرقةَ تَقعُ بلِعانِ الزوجينِ ولا تَقعُ بلِعانِ أحَدِهما، ولا تَفتقرُ إلى حُكمِ حاكمٍ، ويَكونُ حُكمُ الحاكِمِ بالفُرقةِ تَنفيذًا لا إيقاعًا؛ لِما رُويَ عن عمرَ ﵁ أنه قالَ:«المُتلاعِنانِ يُفرَّقُ بينَهُما ولا يَجتمعانِ أبدًا»، ولأنه معنًى يَقتضي التحريمَ
(١) «الحاوي الكبير» (١١/ ٥٢، ٥٣)، و «روضة الطالبين» (٥/ ٦٨٨)، و «النجم الوهاج» (٨/ ١١٣)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٧٥)، و «تحفة المحتاج» (٩/ ٧٣٧)، و «شرح ابن ناجي التنوخي على متن الرسالة» (٢/ ٨٢، ٨٣)، و «المقدمات الممهدات» (١/ ٦٣٧).