للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفُرقةَ أمرٌ يَختصُّ بالزوجِ، ألَا تَرى أنه هو المُختصُّ بسَببِ الفُرقةِ، فلا يَقفُ وُقوعُها على فِعلِ المَرأةِ كالطلاقِ، وأنَّ حُكمَ الحاكمِ بالفُرقةِ يكونُ تَنفيذًا ولا يكونُ إيقاعًا؛ لِما رُويَ أنَّ النبيَّ قالَ للعَجلانِيِّ حين عَرضَ عليه اللعنةَ الخامِسةَ بعدَ الشهاداتِ الأربَعِ: «إنها المُوجِبةُ»؛ إبانةً عنها في وُقوعِ أحكامِ اللعانِ بها، فدَلَّ ثُبوتها بلِعانِ الزَّوجِ وحْدَه.

وروَى سعيدُ بنُ جُبيرٍ عن ابنِ عُمرَ عن النبيِّ قالَ: «المُتلاعِنانِ إذا تَفرَّقَا لا يَجتمعانِ أبَدًا»، وقد روَى أبو مالكٍ عن عاصِمٍ عن زرٍّ عن عليٍّ وعبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ أنهُما قالا: «مَضَتِ السُّنةُ أنْ لا يَجتمعَ المُتلاعِنانِ أبدًا»، وذلكَ إشارةٌ إلى سُنةِ رَسولِ اللهِ ، فلمْ يَجعلْ لغَيرِهما تأثيرًا في وُقوعِ الفُرقةِ بينَهُما.

ورَوى سَعيدُ بنُ جُبيرٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ أنَّ النبيَّ قالَ للمُتلاعنَينِ: «حِسابُكُما على اللهِ، لا سَبيلَ لكَ عليهَا»، قالَ: يا رَسولَ اللهِ مالِي، قالَ: «لا مالَ لكَ، إنْ كُنْتَ صادقًا فهو بما استَحلَلْتَ مِنْ فَرجِها، وإنْ كُنْتَ كاذبًا فهو أبعَدُ لكَ» (١)، فكانَ قولُه: «لا سَبيلَ لكَ عليها» إخبارًا عن وُقوعِ الفُرقةِ بينَهُما، وليسَ بإيقاعٍ للفُرقةٍ؛ لأنَّ إيقاعَ الفُرقةِ أنْ يقولَ: «قد فَرَّقتُ بينَكُما»، فدَلَّ ما أخبَرَ به مِنْ وُقوعِ الفُرقةِ على تَقدُّمِها قبلَ خبَرِه.


(١) رواه البخاري (٥٠٠٦، ٥٠٣٥)، ومسلم (١٤٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>