وقالَ الإمامُ ابنُ القيِّمِ ﵀: والذينَ أسقَطُوا حُكمَ قَذفِ الأجنَبيِّ باللعانِ حُجَّتُهم ظاهرةٌ وقَويةٌ جِدًّا؛ فإنه ﷺ لم يَحُدَّ الزوجَ بشَريكِ بنِ سَحماءَ وقد سَمَّاه صَريحًا، وأجابَ الآخَرونَ عن هذا بجَوابينِ:
أحَدُهما: أنَّ المَقذوفَ كانَ يَهوديًّا، ولا يَجبُ الحَدُّ بقَذفِ الكافرِ.
والثاني: أنه لم يُطالِبْ به، وحَدُّ القَذفِ إنما يُقامُ بعدَ المُطالَبةِ.
وأجابَ الآخَرونَ عن هذَينِ الجَوابينِ وقالوا: قَولُ مَنْ قالَ: «إنه يَهوديٌّ» باطلٌ؛ فإنه شَريكُ بنُ عَبدةَ وأمُّه سَحماءُ، وهو حَليفُ الأنصارِ، وهو أخو البَراءِ بنِ مالكٍ لأمِّه، قالَ عبدُ العَزيزِ بنُ بَزيزةَ في شَرحِه لأحكامِ عبدِ الحَقِّ: قد اختَلفَ أهلُ العِلمِ في شَريكِ بنِ سَحماءَ المَقذوفِ، فقيلَ:«إنه كانَ يَهوديًّا» وهو باطِلٌ، والصَّحيحُ أنه شَريكُ بنُ عَبدةَ حَليفُ الأنصارِ، وهو أخو البَراءِ بنِ مالكٍ لأمِّه؟
وأما الجَوابُ الثاني فهو يَنقلبُ حجَّةً عليكُم؛ لأنه لمَّا استَقرَّ عندَه أنه لا حَقَّ له في هذا القَذفِ لم يُطالِبْ به ولم يَتعرَّضْ له، وإلا كيفَ يَسكتُ عن بَراءةِ عِرضِه وله طَريقٌ إلى إظهارِها بحَدِّ قاذفِه؟ والقَومُ كانوا أشَدَّ حَميَّةً وأنَفةً مِنْ ذلكَ، وقد تَقدَّمَ أنَّ اللعانَ أُقيمَ مَقامَ البيِّنةِ للحاجةِ وجُعلَ بَدلًا مِنْ الشُّهودِ الأربَعةِ، ولهذا كانَ الصَّحيحُ أنه يَوجِبُ الحَدَّ عليها إذا نكَلَتْ،