فإذا كانَ بمَنزلةِ الشَّهادةِ في أحَدِ الطَّرفينِ كانَ بمَنزلتِها في الطَّرفِ الآخَرِ، ومِن المُحالِ أنْ تُحَدُّ المرأةُ باللعانِ إذا نكَلَتْ ثمَّ يُحَدَّ القاذفُ حَدَّ القَذفِ وقد أقامَ البيِّنةَ على صِدقِ قَولِه، وكذلكَ إنْ جَعلْناهُ يَمينًا فإنها كما دَرأَتْ عنه الحَدَّ مِنْ طَرفِ الزوجةِ دَرأتْ عنه مِنْ طَرفِ المَقذوفِ ولا فرْقَ؛ لأنَّ به حاجةً إلى قَذفِ الزاني لِمَا أفسَدَ عليه مِنْ فِراشِه، وربُّما يَحتاجُ إلى ذِكرْه ليَستدلَّ بشَبهِ الوَلدِ له على صِدقِ قاذفِه كما استَدلَّ النبيُّ ﷺ على صِدقِ هلالٍ بشَبهِ الوَلدِ بشَريكِ بنِ سَحماءَ، فوجَبَ أنْ يُسقطَ حُكمُ قَذفِه ما أسقَطَ حُكمُ قَذفِها، وقد قالَ النبيُّ ﷺ للزوجِ:«البيِّنةَ وإلا حَدٌّ في ظَهرِكَ» ولم يَقلْ: «وإلا حَدَّانِ»، هذا والمَرأةُ لم تُطالِبْ بحَدِّ القَذفِ، فإنَّ المُطالَبةَ شَرطٌ في إقامةِ الحَدِّ لا في وُجوبِه، وهذا جَوابٌ آخَرُ عن قَولِهم:«إنَّ شَريكًا لم يُطالِبْ بالحَدِّ»، فإنَّ المَرأةَ أيضًا لم تُطالِبْ به، وقد قالَ له النبيُّ ﷺ:«البيِّنةَ وإلا حَدٌّ في ظَهرِكَ».
فإنْ قيلَ: فما تَقولونَ لو قَذفَ أجنَبيةً بالزنى برَجلٍ سمَّاهُ فقالَ: «زنَى بكِ فُلانٌ، أو زَنَيتِ بهِ»؟
قيلَ: هاهُنا يَجبُ عليه حَدَّانِ؛ لأنه قاذِفٌ لكُلِّ واحِدٍ منهُما ولم يَأتِ بما يُسقِطُ مُوجَبَ قَذفِه، فوجَبَ عليه حُكمُه؛ إذ ليس هُنا بيِّنةٌ بالنسبةِ إلى أحَدِهما ولا ما يَقومُ مَقامَها (١).