للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّخلصَ منه بأنْ تَلتعِنَ، ولأنه مَعنًى يُسمَعُ في تَحقيقِ القَذفِ، فجازَ أنْ يجبَ بهِ الحَدُّ كالبيِّنةِ (١).

وقالَ ابنُ رُشدٍ : اختَلفوا أيضًا في الواجِبِ عليها إذا نكلَتْ:

فقالَ الشافعيُّ ومالكٌ وأحمَدُ والجُمهورُ: إنها تُحَدُّ، وحَدُّها الرَّجمُ إنْ كانَ دخَلَ بها ووُجدِتْ فيها شُروطُ الإحصانِ، وإنْ لم يَكنْ دخَلَ بها فالجَلدُ.

وقالَ أبو حَنيفةَ: إذا نكلَتْ وجَبَ عليها الحَبسُ حتى تُلاعِنَ، وحُجَّتُه قَولُه : «لا يَحِلُّ دمُ امرِئٍ مُسلمٍ إلا بإحدَى ثَلاثٍ: زِنًا بعدَ إحصانٍ، أو كُفرٌ بعدَ إيمانٍ، أو قَتلُ نَفسٍ بغَيرِ نفسٍ»، وأيضًا فإنَّ سفْكَ الدَّمِ بالنُّكولِ حُكمٌ تَردُّه الأصولُ، فإنه إذا كانَ كَثيرٌ مِنْ الفُقهاءِ لا يُوجِبونَ غُرمَ المالِ بالنُّكولِ فكانَ بالحَريِّ أنْ لا يَجبَ بذلكَ سَفكُ الدِّماءِ.

وبالجُملةِ فقَاعدِةُ (الدِّماءُ مَبناها في الشرعِ على أنها لا تُراقُ إلا بالبيِّنةِ العادِلةِ أو بالاعتِرافِ)، ومِن الواجِبِ ألا تُخصَّصَ هذه القاعِدةُ بالاسمِ المُشتَركِ، فأبو حَنيفةَ في هذهِ المَسألةِ أَولَى بالصوابِ إنْ شاءَ اللهُ.

وقدِ اعتَرفَ أبو المَعالي في كِتابِه «البُرهان» بقوَّةِ أبي حَنيفةَ في هذهِ المَسألةِ، وهو شافِعيٌّ (٢).


(١) «المعونة في مذهب عالم المدينة» (١/ ٦١٢، ٦١٣).
(٢) «بداية المجتهد» (٢/ ٨٩، ٩٠)، ويُنظَر: «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٥٠٧، ٥٠٨)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٦/ ٢٧)، و «الإفصاح» (٢/ ١٩١، ١٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>