بعدَ ذلكَ وليسَ بينَهُما ولدٌ يُريدُ نفْيَه لم يَكنْ له ذلك؛ لأنَّ الحَدَّ قد انتَفَى عنه بإقامةِ البيِّنةِ، فلا حاجةَ إلَيهِ، قالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: وإنْ كانَ بينَهما ولدٌ يُريدُ نفْيَه فعلى قَولِ القاضِي له أنْ يُلاعِنَ (١).
وقالَ أيضًا: فإنْ أرادَ الزوجُ اللِّعانَ مِنْ غَيرِ مُطالَبةٍ نظَرْنَا، فإنْ لَم يَكنْ هُناكَ نسَبٌ يُريدُ نفْيَه لم يَكنْ له أنْ يُلاعِنَ، وكذلك كلُّ مَوضعٍ سقَطَ فيهِ الحَدُّ، مثلَ أنْ أقامَ البيِّنةَ بزِناها أو أبرَأتْه مِنْ قَذفِها أو حَدٍّ لها ثمَّ أرادَ لِعانَها ولا نسَبَ هناكَ يُنفَى، فإنه لا يُشرَعُ اللعانُ، وهذا قَولُ أكثرِ أهلِ العِلمِ، ولا نَعلمُ فيهِ مُخالِفًا، إلا بعضَ أصحابِ الشافعيِّ قالوا: له المُلاعَنةُ لإزالةِ الفِراشِ، والصحيحُ عندَهُم مِثلُ قَولِ الجَماعةِ؛ لأنَّ إزالةَ الفِراشِ مُمكِنُة بالطلاقِ، والتحريمُ المُؤبَّدُ ليسَ بمَقصودٍ يُشرَعُ اللِّعانُ مِنْ أجْلِه، وإنما حصَلَ ذلك ضِمنًا.
فأمَّا إنْ كانَ هناكَ ولدٌ يُريدُ نفْيَه فقالَ القاضِي: له أنْ يُلاعِنَ لنَفيِه، وهذا مَذهبُ الشافعيِّ؛ لأنَّ هِلالَ بنَ أُميَّةَ لمَّا قذَفَ امرَأتَه وأتَى النبيَّ ﷺ فأخبَرَه أرسَلَ إليها فلاعَنَ بينَهُما ولم تَكنْ طالَبتْه، ولأنه مُحتاجٌ إلى نفيِه فشُرعَ له طَريقٌ إليه كما لو طالَبتْه، ولأنَّ نفيَ النَّسبِ الباطلِ حَقٌّ له، فلا يَسقطُ برِضاها به كما لو طالَبَتْ باللِّعانِ ورَضِيتْ بالوَلدِ.
ويَحتملُ أنْ لا يُشرَعَ اللعانُ هاهُنا، كما لو قذَفَها فصَدَّقتْه، وهو قَولُ
(١) «المغني» (٨/ ٥٠، ٥١)، و «كشاف القناع» (٥/ ٤٦٦).