فإنْ جاءَ هو وثَلاثةٌ شَهدوا أنها قد زَنَتْ فلم يُعدَّلُوا فلا حَدَّ عليها؛ لأنَّ زِناها لم يَثبتْ إلا بشَهادةِ الفُسَّاقِ، ولا حَدَّ عليهِم؛ لأنَّ الفاسِقَ مِنْ أهلِ الشهادةِ، ألَا ترَى أنَّ اللهَ تَعالى أمَرَ بالتوقيفِ في بَيانِه؟ فقدْ وُجدَ إتْيانُ أربعةِ شُهداءَ، فكيفَ يَجبُ عليهمُ الحَدُّ؟ ولا لِعانَ على الزوجِ؛ لأنه شاهِدٌ وليسَ بقاذِفٍ، فإنْ شَهدُوا معه ثلاثةٌ عُمْيٌ حُدَّ وحُدُّوا، أيْ يُلاعَنُ الزوجُ ويُحَدُّونَ حَدَّ القَذفِ؛ لأنَّ العُمْيانَ لا شَهادةَ لهم قَطعًا، فلَم يَكنْ قَولُهم حُجَّةً أصلًا، فكانُوا قَذَفةً فيُحَدُّونَ حَدَّ القَذفِ، ويُلاعنُ الزوجُ؛ لأنَّ قذْفَ الزوجِ يُوجِبُ اللعانَ إذا لم يأْتِ بأربعةِ شُهداءَ، ولم يأْتِ بهم (١).
وذهَبَ المالِكيةُ والحَنابلةُ إلى أنَّ الزوجَ إذا قذَفَ امرَأتَه بالزِّنا وأقامَ البيِّنةَ على زِناها بأنْ أتَى بأربعةِ شُهودٍ يَشهَدونَ على زِناها فإنه مُخيَّرٌ بينَ لِعانِها وبينَ إقامةِ البيِّنةِ؛ لأنهما بيِّنتانِ فكانَتْ له الخِيَرةُ في إقامةِ أيَّتِهما شاءَ، كمَن له بِدَينٍ شاهِدانِ وشاهِدٌ وامرَأتانِ، ولأنَّ كلَّ واحِدةٍ منهما يَحصلُ بها ما لا يَحصلُ بالأُخرى، فإنه يَحصلُ باللِّعانِ نَفيُ النَّسبِ الباطلِ، ولا يَحصلُ ذلكَ بالبيِّنةِ، ويَحصلُ بالبيِّنةِ ثُبوتُ زِناها وإقامةُ الحَدِّ عليها، ولا يَحصلُ باللعانِ، فإنْ لاعَنَها ونفَى ولَدَها ثمَّ أرادَ إقامةَ البيِّنةِ فله ذلكَ، فإذا أقامَهَا ثبَتَ مُوجَبُ اللِّعانِ ومُوجَبُ البيِّنةِ، وإنْ أقامَ البيِّنةَ أوَّلًا ثبَتَ الزِّنا ومُوجَبُه ولم يَنتَفِ عنه الولدُ، فإنه لا يَلزمُ مِنْ الزِّنا كَونُ الولدِ منه، وإنْ أرادَ لِعانَها
(١) «بدائع الصنائع» (٣/ ٢٤٠، ٢٤١)، و «عمدة القاري» (١٩/ ٧٦)، و «البحر الرائق» (٤/ ١٢٢)، و «حاشية ابن عابدين» (٣/ ٤٨٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute