خَرساءَ لم تُلاعِنْ؛ لأنه لا تُعلَمُ مُطالَبتُها، وحَكاهُ ابنُ المُنذِرِ عن أحمَدَ وأبي عُبيدٍ وأصحابِ الرأيِ، وكذلكَ يَنبغي أنْ يكونَ في الأُخرى؛ وذلكَ لأنَّ اللِّعانَ لَفظٌ يَفتقرُ إلى الشهادةِ، فلم يَصحَّ مِنْ الأخرَسِ كالشهادةِ الحَقيقيةِ، ولأنَّ الحَدَّ يُدرَأُ بالشُّبهاتِ، والشهادةُ لنَسبِه صَريحةٌ كالنُّطقِ، فلا يَخلو مِنْ احتمالٍ وتَردُّدٍ، فلا يَجبُ الحَدُّ بها كما لا يَجبُ على أجنَبيٍّ بشَهادتِه.
وقالَ القاضِي وأبو الخطَّابِ: هو كالناطقِ في قَذفِه ولِعانِه، وهو مَذهبُ الشافعيِّ؛ لأنه يَصحُّ طَلاقُه، فصَحَّ قَذفُه ولِعانُه كالنَّاطقِ، ويُفارِقُ الشهادةَ؛ لأنه يُمكِنُ حُصولُها مِنْ غيرِه، فلَم تَدْعُ الحاجةُ إلى الأخرَسِ، وفي اللعانِ لا يَحصلُ إلا منه، فدَعَتِ الحاجَةُ إلى قَبولِه مِنهُ كالطلاقِ.
والأوَّلُ أحسَنُ؛ لأنَّ مُوجَبَ القَذفِ وُجوبُ الحَدِّ، وهو يُدرأُ بالشُّبهاتِ، ومَقصودُ اللِّعانِ الأصليُّ نَفيُ النَّسبِ، وهو يَثبتُ بالإمكانِ معَ ظُهورِ انتِفائِه، فلا يَنبغِي أنْ يُشرَعَ ما يَنفِيه ولا ما يُوجِبُ الحدَّ معَ الشُّبهةِ العَظيمةِ، ولذلكَ لم تُقبَلْ شَهادتُه، وقَولُهم:«إنَّ الشهادةَ تُحصلُ مِنْ غيرِه» قُلنا: قد لا تَحصلُ إلا منه؛ لاختِصاصِه برُؤيةِ المَشهودِ له أو إسماعِه إياهُ (١).