للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ الحَنفيةُ والحَنابلةُ في رِوايةٍ إلى أنه لا يَصحُّ قَذفُه ولا لِعانُه، فإذا قذَفَ الأخرَسُ امرَأتَه بإشارةٍ لم يُحَدَّ ولم يُلاعِنْ، وكذلك لو قذَفَ بكِتابٍ؛ لأنَّ الأخرَسَ لا شَهادةَ له؛ لأنه لا يَتأتَّى منه لَفظةُ الشهادةِ، ولأنَّ القَذفَ منه لا يكونُ إلا بالإشارةِ، والقَذفُ بالإشارةِ يَكونُ في مَعنَى القَذفِ بالكِتابةِ، وإنه لا يُوجِبُ اللِّعانَ كما لا يُوجِبُ الحَدَّ (١).

ولأنَّ هذه المَسألةَ مَبنيَّةٌ على أصلٍ، وهو أنَّ صحَّةَ القَذفِ تَتعلَّقُ بصَريحِ الزِّنا دونَ مَعناهُ، ألَا ترَى أنَّ مَنْ قذَفَ آخَرَ فقالَ له: «قد وَطِئتَ وَطئًا حَرامًا، ووَطِئتَ بلا شُبهةً» لم يكنْ قاذفًا، فإنْ أتَى بمَعنَى الزِّنا كانَ قاذِفًا، فبانَ أنَّ المُعتبَرَ في هذا البابِ صَريحُ اللَّفظِ، وهذا المَعنَى لا يَحصلُ مِنْ الأخرَسِ ضَرورةً، فلم يَكنْ قاذِفًا، ولا يَتميَّزُ بالإشارةِ الزِّنا مِنْ الوَطءِ الحلالِ والشُّبهةِ، وأيضًا فإنَّ إشارَتَه لمَّا تَضمَّنتْ وجهَينِ لم يَجُزْ إيجابُ الحَدِّ بها كالكِنايةِ والتَّعريضِ (٢).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : فأمَّا الأخرسُ والخَرساءُ فإنْ كانَا غيرَ مَعلومَيِ الإشارةِ والكِتابةِ فهُما كالمَجنونَينِ فيما ذكَرْناه؛ لأنه لا يُتصوَّرُ مِنهُما لِعانٌ، ولا يُعلَمُ مِنْ الزوجِ قَذفٌ ولا مِنْ المَرأةِ مُطالَبةٌ.

وإنْ كانَا مَعلومَيِ الإشارةِ والكِتابةِ فقدْ قالَ أحمَدُ: إذا كانَتِ المَرأةُ


(١) «بدائع الصنائع» (٣/ ٢٤٢).
(٢) «شرح صحيح البخاري» (٧/ ٤٥٨، ٤٥٩)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٢/ ٥٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>