والدَّليلُ على أنه يَصحُّ مِنْ الكافِرينَ عُمومُ قَولِه تَعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾ [النور: ٦] ولم يُفرِّقْ، ولأنَّ كلَّ زَوجٍ صحَّ طلاقُهُ صَحَّ لِعانُه كالحُرِّ المُسلِمِ، ولأنَّ كلَّ ما خرَجَ به الزوجُ مِنْ قَذفِه إذا كانَ مِنْ أهلِ الشهادةِ خرَجَ به مِنْ القَذفِ إنْ لم يَكنْ معه أهلُ الشهادةِ كالبيِّنةِ، ولأنَّ ما وَقعَتْ بهِ الفُرقةُ بينَ الزوجينِ المُسلمَينِ وَقعَتْ بهِ الفُرقةُ بينَ الكافرَينِ والمَملوكَينِ كالطلاقِ، ولأنَّ اللِّعانَ لدَرءِ العُقوبةِ الواجِبةِ بالقَذفِ ونَفيِ النَّسبِ، والكافِرُ كالمُسلمِ في هذا.
ولأنَّ الزوجَ يَحتاجُ إلى نَفيِ الوَلدِ، فيُشرَعُ له طَريقًا إلى نَفيِه، كما لو كانَتِ امرَأتُه ممَّن يُحَدُّ بقَذفِها (١).
إلا أنَّ المالِكيةَ قالوا: يَصحُّ اللِّعانُ إذا كانَ بينَ مُسلمٍ وزَوجتِه اليَهوديةِ أو النَّصرانيةِ، لكنَّ لِعانَه لنَفيِ الحَملِ أو الوَلدِ لا للرَّميِ؛ لأنَّ الكِتابيةَ تُلاعِنُ لدَفعِ العارِ عنها، وإنْ لم تلتعنِ الكِتابيةُ لم تُحَدَّ، بل تُؤدَّبُ، وبَقيَتْ زَوجةً، وإنْ نكَلَ هو أُدِّبَ أيضًا ولم يُحَدَّ، وإنِ التَعنَا وَقعَتِ الفُرقةُ.
أمَّا إذا كانَ الزوجانِ كافرَينِ فإنه لا يَصحُّ منهُما اللِّعانُ، نعَمْ إنْ جاؤوا إلَينا ورَضوا بأحكامِنا حكَمْنا بينَهُم بحُكمِ المَسلمينَ، فيَتلاعَنانِ،
(١) «الحاوي الكبير» (١١/ ١٢، ١٤)، و «المهذب» (٢/ ١٢٤)، و «المغني» (٨/ ٤٠)، و «الكافي» (٣/ ٢٢٧)، و «المبدع» (٨/ ٨٢)، و «الإنصاف» (٩/ ٢٤٢، ٢٤٣)، و «كشاف القناع» (٥/ ٤٦٠)، و «شرح منتهى الإرادات» (٥/ ٥٦٨).