للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالعَجزِ عنِ الكفَّارةِ؛ لأنَّ الأعرابيَّ لمَّا دفَعَ إليهِ النبيُّ التَّمرَ ليُطعِمَه للمَساكينِ فأخبَرَه بحاجتِه قالَ: «أَطعِمْهُ لأهلِكَ» (١)، ولم يَأمُرْه بكفَّارةٍ أُخرَى، ولم يَذكرْ له بقاءَها في ذمَّتِه، بخِلافِ كفَّارةِ حَجٍّ وظِهارٍ ويَمينٍ ونَحوِها، ويَسقطُ الجَميعُ بتَكفيرِ غيرِه عنه بإذنِه (٢).

وذهَبَ الشافِعيةُ في مُقابلِ الأصَحِّ إلى أنَّ مَنْ وَطئَ وَطئًا يُوجِبُ الكفَّارةَ ولم يَقدرْ على الكفَّارةِ فإنها تَسقطُ عنه ولا تَجبُ؛ لقَولِه للأعرابيِّ: «خُذهُ واستَغِفرِ اللهَ وأطعِمْ أهلَكَ»، ولأنه حقٌّ ماليٌّ يَجبُ للهِ تَعالى لا على وَجهِ البَدلِ، فلمْ يَجبْ معَ العَجزِ كزَكاةِ الفِطرِ (٣).

وقالَ الإمامُ ابنُ القيِّمِ : مَنْ عجَزَ عنِ الكفَّارةِ لم تَسقطْ عنه؛ فإنَّ النبيَّ أعانَ أَوسَ بنَ الصَّامتِ بعَرَقٍ مَنْ تَمرٍ وأعانَتْه امرَأتُه بمِثلِه حتى كفَّرَ، وأمَرَ سَلمَةَ بنَ صَخرٍ أنْ يأخُذَ صَدقةَ قَومِه فيُكفِّرَ بها عن نَفسِه، ولو سقَطَتْ بالعَجزِ لَمَا أمَرَهما بإخراجِها، بل تَبقَى في ذمَّتِه دَينًا عليهِ، وهذا قَولُ الشافِعيِّ وأحَدُ الرِّوايتَينِ عن أحمَدَ.

وذهبَتْ طائِفةٌ إلى سُقوطِها بالعَجزِ كما تَسقطُ الواجِباتُ بعَجزِه عنها وعَن إبدالِها.


(١) رواه البخاري (١٩٣٣)، ومسلم (١١١١).
(٢) «الكافي» (٤/ ١٤٥)، و «كشاف القناع» (٥/ ٤٥٣)، و «الروض المربع» (١/ ٤٣٦).
(٣) «المهذب» (١/ ١٨٥)، و «روضة الطالبين» (٥/ ٣٦٢)، و «أسنى المطالب» (٣/ ٣٧٠)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٥٥)، و «تحفة المحتاج» (٩/ ٦٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>