وجه قَولِه: أنَّ المُطلَقَ في مَعنَى المُجمَلِ والمُقيَّدَ في مَعنَى المُفسَّرِ، والمُجمَلُ يُحمَلُ على المُفسَّرِ، ويَصيرُ النصَّانِ في مَعنًى كنَصِّ المُجمَلِ والمُفسَّرِ، ولهذا حُمِلَ المُطلَقُ على المُقيَّدِ في بابِ الشهادةِ والزَّكاةِ وكفَّارةِ اليَمينِ، حتى شُرِطَتِ العَدالةُ لوُجوبِ قَبولِ الشهادةِ، والإسامةُ لوُجوبِ الزكاةِ، وشُرِطَ التَّتابعُ في صَومِ كفَّارةِ اليَمينِ، كذا هَهُنا.
ولنا: وَجهانِ: أحَدُهما: طَريقُ مَشايخِنا بسَمَرْقندَ، وهو أنَّ حمْلَ المُطلَقِ على المُقيَّدِ ضَربُ النُّصوصِ بَعضِها في بَعضٍ وجَعلُ النصَّينِ كنَصٍّ واحِدٍ مع إمكانِ العَملِ بكُلِّ واحِدٍ منهُما، وهذا لا يَجوزُ، بخِلافِ المُجمَلِ؛ لأنه غيرُ مُمكِنٍ العَملُ بظاهِرهِ.
والثاني: طَريقُ مَشايخِ العِراقِ، وهو أنَّ حمْلَ المُطلَقِ على المُقيَّدِ نَسخٌ للإطلاقِ؛ لأنَّ بعدَ وُرودِ النصِّ المُقيَّدِ لا يَجوزُ العَملُ بالمُطلَقِ، بل يُنسَخُ حُكمَه، وليسَ النَّسخُ إلا بَيانَ مُنتهَى مدَّةِ الحُكمِ الأولِ، ولا يَجوزُ نَسخُ الكِتابِ بالقِياسِ ولا بخَبَرِ الواحِدِ، وقَولُه:«المُطلَقُ في معنَى المُجمَلِ» مَمنوعٌ؛ لأنَّ المُجمَلَ لا يُمكنُ العَملُ بظاهرِه، والمَطلَقُ يُمكِنُ العَملُ بظاهرِه؛ إذْ هوَ اسمٌ لِمَا يَتعرَّضُ للذاتِ دونَ الصِّفاتِ، فيُمكِنُ العَملُ بإطلاقِه مِنْ غيرِ الحاجةِ إلى البَيانِ، فلا ضَرورةَ إلى حَملِ المُطلَقِ على المُقيَّدِ، وفي المَوضعِ الذي حُمِلَ إنَّما حُمِلَ لضَرورةِ عَدمِ الإمكانِ، وذلكَ عندَ اتِّحادِ السَّببِ والحُكمِ؛ لاستِحالةِ ثُبوتِ حُكمٍ واحِدٍ في زَمانٍ واحِدٍ