وقالَ بَعضُ أهلِ العلمِ: إنَّ مدَّةَ الإيلاءِ غيرُ مُقدَّرةٍ، يَستِوي فيها القَليلُ والكثيرُ، حتى لو حلَفَ لا يَقربُها يومًا أو ساعةً كانَ مُوليًا، حتى لو ترَكَها أربعةَ أشهُرٍ بانَتْ، وكذا رُويَ عن ابنِ مَسعودٍ ﵁، وقالَ ابنُ عبَّاسٍ ﵄ أنَّ الإيلاءَ على الأبَدِ …
وجهُ قَولِ الأوَّلِينَ ما رُويَ عن أنسِ بنِ مالِكٍ ﵁:«أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ آلَى مِنْ نِسائِه شَهرًا، فلمَّا كانَ تِسعةٌ وعِشرونَ يَومًا ترَكَ إيلاءَهُنَّ، فقيلَ لهُ: إنكَ آلَيتَ شهرًا يا رَسولَ اللهِ، فقالَ: الشهرُ تِسعةٌ وعِشرونَ يومًا»، ولأنَّ اللهَ تعالَى لم يَذكرْ في كِتابِه الكَريمِ للإيلاءِ مدَّةً، بل أطلَقَه إطلاقًا بقَولِه ﷿: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٢٦]، فيَجرِي على إطلاقِه، وإنما ذكَرَ المدَّةَ لثُبوتِ البَينونةِ، حتى تَبِينُ بمُضيِّ المدَّةِ مِنْ غيرِ فَيءٍ لا ليَصيرَ إيلاءً شرعًا، وبه نَقولُ.
ولنا: قولُه تعالَى: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾ [البقرة: ٢٢٦] ذكَرَ للإيلاءِ في حُكمِ الطلاقِ مدَّةً مقدَّرةً، فلا يَكونُ الحلِفُ على ما دُونَها إيلاءً في حقِّ هذا الحُكمِ؛ وهذا لأنَّ الإيلاءَ ليسَ بطَلاقٍ حَقيقةً، وإنما جُعلَ طَلاقًا معلَّقًا بشَرطِ البِرِّ شَرعًا بوَصفِ كَونِه مانِعًا مِنْ الجِماعِ أربعةَ أشهرٍ فصاعدًا، فلا يُجعلُ طَلاقًا بدونِه، ولأنَّ الإيلاءَ هو اليَمينُ التي تَمنعُ الجِماعَ خَوفًا مِنْ لُزومِ الحِنثِ، وبعدَ مُضيِّ يَومٍ أو شَهرٍ يُمكِنُه أنْ يطَأَها مِنْ غيرِ حِنثٍ يَلزمُه، فلا يَكونُ هذا إيلاءً.