للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قَولُهم: «إنَّ المدَّةَ ذُكرتْ لثُبوتِ حُكمِ الإيلاءِ لا للإيلاءِ»، فنقولُ: ذِكرُ المدَّةِ في حُكمِ الإيلاءِ لا يكونُ ذِكرًا في الإيلاءِ؛ لأنَّ الحُكمَ ثبَتَ بالإيلاءِ؛ إذْ بهِ يتأكَّدُ المنعُ المُحقِّقُ للظُّلمِ.

وأما الحَديثُ: فالمَرويُّ أنَّ النبيَّ آلَى أنْ لا يَدخلَ على نِسائِه شهرًا، وعندَنا مَنْ حلَفَ لا يَدخلُ على امرَأتِه يَومًا أو شَهرًا أو سَنةً لا يَكونُ مُوليًا في حقِّ حُكمِ الطلاقِ؛ لأنَّ الإيلاءَ يَمينٌ يَمنعُ الجِماعَ، وهذا لا يَمنعُ الجماعَ، وقَولُ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ : «الإيلاءُ على الأبَدِ» مُحتمَلٌ، يُحتمَلُ أنْ يكونَ مَعناهُ أنَّ الإيلاءَ إذا ذُكرَ مُطلَقًا عن الوقتِ يقَعُ على الأبَدِ وإنْ لم يُذكرِ الأبَدُ، ونحنُ نقولُ بهِ، ويُحتمَلُ أنه أرادَ بهِ إنَّ ذِكرَ الأبَدِ شَرطُ صحَّةِ الإيلاءِ في حقِّ حُكمِ الطلاقِ، فيُحمَلُ على الأولِ تَوفيقًا بينَ الأقاويلِ.

والدليلُ عليه ما رُويَ عن ابنِ عبَّاسٍ أنه قالَ: «كانَ إيلاءُ أهلِ الجَاهليةِ السَّنةَ والسنتَينِ وأكثَرَ مِنْ ذلكَ، فوقَّتَه اللهُ أربعةَ أشهُرٍ، فمَن كانَ إيلاؤُه أقلَّ مِنْ أربعةِ أشهرٍ فليسَ بإيلاءٍ»، ولأنه ليسَ في النَّصِّ شَرطُ الأبَدِ، فيَلزمُه إثباتُ حُكمِ الإيلاءِ في حقِّ الطلاقِ عندَ تربُّصِ أربعةِ أشهُرٍ، فلا تَجوزُ الزيادةُ إلا بدليلٍ (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٣/ ١٧١، ١٧٢)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٢/ ٤٧٣، ٤٧٤)، و «أحكام القرآن» (٢/ ٤٦)، و «المبسوط» (٧/ ٢٢)، و «الهداية» (٢/ ١٢)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٥٠١)، و «الاختيار» (٣/ ١٨٩)، و «اللباب» (٢/ ١٠٩)، و «شرح صحيح البخاري» (٧/ ٤٤٣)، و «شرح السنة» (٩/ ٢٣٩، ٢٤٠)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٤٦٣، ٤٦٥)، و «أحكام القرآن» لابن العربي (١/ ٢٤٥)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٧٦)، و «الحاوي الكبير» (١٠/ ٣٤٠)، و «البيان» (١٠/ ٢٨٤، ٢٨٥)، و «النجم الوهاج» (٨/ ٢٦)، و «مغني المحتاج» (٥/ ١٧، ١٨)، و «الديباج» (٣/ ٤٨٩)، و «المغني» (٧/ ٤١٥، ٤١٦)، و «الكافي» (٣/ ٢٤١)، و «كشاف القناع» (٥/ ٤١٠)، و «شرح منتهى الإرادات» (٥/ ٥٢١)، و «منار السبيل» (٣/ ١٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>