للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحَدُهما: أنه لَم يأمُرْه بنَفسِه وجعَلَ عُمرَ هو الآمِرَ لهُ بقولِه: «مُرْهُ فلْيُراجِعْها»، دلَّ على أنَّ الأمرَ مَعدولٌ بهِ عن الوُجوبِ إلى الاستِحبابِ؛ لأنَّه عدَلَ بهِ عمَّن تَجبُ أوامِرُه إلى مَنْ لا تَجبُ أوامِرُه.

والثاني: أنَّ قولَه: «ثمَّ إنْ شاءَ طلَّقَ وإنْ شاءَ أمسَكَ» تَرجعُ المَشيئةُ إلى جَميعِ المَذكورِ مِنْ الرَّجعةِ والطلاقِ، ومَا رُدَّ إلى مَشيئةِ فاعِله لم يَجبْ (١).

قالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : ويُستحبُّ أنْ يُراجِعَها؛ لأمرِ النبيِّ بمُراجَعتِها، وأقلُّ أحوالِ الأمرِ الاستِحبابُ، ولأنه بالرَّجعةِ يُزيلُ المَعنَى الذي حرَّمَ الطلاقَ، ولا يَجبُ ذلكَ في ظاهِرِ المَذهبِ، وهوَ قولُ الثَّوريِّ والأوزاعيِّ والشافعيِّ وابنِ أبي لَيلى وأصحابِ الرَّأيِ، وحَكى ابنُ أبي مُوسى عَنْ أحمَدَ رِوايةً أُخرَى أنَّ الرَّجعةَ تَجبُ، واختارَها، وهوَ قولُ مالكٍ وداودَ؛ لظاهِرِ الأمرِ في الوُجوبِ، ولأنَّ الرَّجعةَ تَجري مَجرَى استِبقاءِ النكاحِ، واستِبقاؤُه هاهُنا واجبٌ؛ بدَليلِ تَحريمِ الطلاقِ، ولأنَّ الرَّجعةَ إمساكٌ للزوجةِ؛ بدَليلِ قولِه تَعالى: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: ٢٣١]، فوجَبَ ذلكَ كإمساكِها قبْلَ الطلاقِ.

وقالَ مالكٌ وداودُ: يُجبَرُ على رَجعتِها، قالَ أصحابُ مالِكٍ: يُجبَرُ على رَجعتِها ما دامَتْ في العدَّةِ، إلا أشهَبَ قالَ: ما لم تَطهُرْ ثمَّ تَحيضُ؛


(١) «الحاوي الكبير» (١٠/ ١٢٣، ١٢٤)، و «شرح صحيح مسلم» (١٠/ ٦٠)، و «مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر» (٢/ ٧)، و «الفتاوى الهندية» (١/ ٣٤٩)، و «الكافي» (٣/ ١٦١)، و «حاشية ابن القيم على سنن أبي داود» (٦/ ١٧٢)، و «المبدع» (٧/ ٢٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>