وذهَبَ الحَنفيةُ في قَولٍ والشافِعيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ الرَّجعةَ مُستحبَّةٌ وليسَتْ واجِبةً؛ لأمرِ النبيِّ ﷺ بها في حَديثِ ابنِ عُمرَ، ولأنه يُزيلُ الضَّررَ الحاصِلَ بالطلاقِ، ولا تَجبُ الرَّجعةُ؛ لأنه بمَنزلةِ ابتِداءِ النكاحِ أو استِدامتِه، وكِلاهُما غَيرُ واجِبٍ؛ لأنَّ ابتداءَ النكاحِ إذا لَم يَكنْ واجِبًا فاستِدامتُه كذلكَ غيرُ واجِبةٍ.
ولأنَّ اللهَ تعالَى قالَ: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩]، فخيَّرَه بيْنَ الرَّجعةِ والتَّركِ، وقالَ تعالَى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا﴾ [البقرة: ٢٢٨]، فدَلَّتْ على أنَّ الرَّجعةَ غَيرُ واجبةٍ مِنْ وجهَينِ:
أحَدُهما: أنه جعَلَها حقًّا للأزواجِ لا عليهِم.
والثاني: أنَّه قرَنَها بإرادةِ الإصلاحِ، ولأنَّ الرَّجعةَ إمَّا أنْ تُرادَ لاستِدامةِ العَقدِ أو إعادتِهِ، فإنْ أُريدَتْ لإعادتِه لم تَجبْ؛ لأنَّ ابتِداءَ النكاحِ لا يَجبُ، وإنْ أُريدَتْ لاستِدامتِه لم تَجبْ؛ لأنَّ لهُ رفْعَه بالطلاقِ، ولأنَّ تَحريمَ الطلاقِ في الحَيضِ كتَحريمِه في طُهرٍ مُجامَعٍ فيهِ، ثمَّ لَم تَجبِ الرجعةُ في طُهرِ الجِماعِ، كذلكَ في الحَيضِ.
فأمَّا حَديثُ ابنِ عُمرَ وقَولُ النبيِّ ﷺ: «مُرْهُ فلْيُراجِعْها ثمَّ لِيُمسِكْها حتى تَطهُرَ ثمَّ تَحيضَ ثمَّ تَطهرَ، ثمَّ إنْ شاءَ أمسَكَ بعدُ وإنْ شاءَ طلَّقَ قبلَ أنْ يمَسَّ، فتِلكَ العِدَّةُ التي أمَرَ اللهُ أنْ تُطلَّقَ لها النساءُ» (١)، فعَنهُ جَوابانِ:
(١) رواه البخاري (٤٩٥٣)، ومسلم (١٤٧١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute