وقالَ الحَنابلةُ: إذا قالَ لها: «أنتِ طالقٌ ثلاثًا» واستَثنَى بقَلبِه «إلا واحِدةً» وقَعَتِ الثلاثُ؛ لأنَّ العَددَ نَصٌّ فيما يَتناولَه، فلا يَرتفعُ بالنِّيةِ؛ لأنَّ اللفظَ أقَوى، ولو ارتَفعَ بالنِّيةِ لَرجَحَ المَرجوحُ على الرَّاجحِ، ويَلزمُه الثلاثُ حُكمًا قولًا واحِدًا، وأمَّا في الباطِنِ فإنه يُديَّنُ فيما بينَه وبينَ اللهِ تعالَى على الصَّحيحِ مِنْ المَذهبِ، وكذا الخِلافُ لو قالَ:«نِسائيَ الأربَعُ طَوالِقُ» واستَثنَى واحدةً بقَلبِه، وإنْ لم يَقلْ:«الأربَعُ» ففي الحُكمِ رِوايتانِ (١).
وقالَ الإمامُ ابنُ القيِّمِ ﵀: وهل مِنْ شَرطِ الاستِثناءِ أنْ يَتكلَّمَ به؟ أو يَنفعُ إذا كانَ في قَلبِه وإنْ لم يَتلفَّظْ به؟
فالمَشهورُ مِنْ مَذاهبِ الفُقهاءِ أنه لا يَنفعُه حتى يَتلفَّظَ به، ونَصَّ عليهِ أحمدُ فقالَ في رِوايةِ ابنِ مَنصورٍ: لا يَجوزُ له أنْ يَستثنيَ في نَفسِه حتى يَتكلَّمَ بهِ، وقد قالَ أصحابُ أحمدَ وغيرُهم: لو قالَ: «نِسائِي طوالِقُ» واستَثنَى بقَلبِه «إلا فُلانةَ» صحَّ استِثناؤُه ولم تَطلُقْ، ولو قالَ:«نِسائيَ الأربَعُ طَوالِقُ» واستَثنَى بقَلبِه «إلا فُلانةَ» لم يَنفعْه.
وفرَّقُوا بينَهُما بأنَّ الأولَ ليسَ نصًّا في الأربَعِ، فجازَ تَخصيصُه بالنِّيةِ، بخِلافِ الثاني، ويَلزمُهم على هذا الفَرقِ أنْ يَصحَّ تَقييدُه بالشرطِ بالنِّيةِ؛ لأنَّ غايتَه أنه تَقييدُ مُطلَقٍ؛ فعَملُ النِّيةِ فيهِ أَولى مِنْ عَملِها في تَخصيصِ العامِّ؛
(١) «المغني» (٧/ ٣١٩)، و «الكافي» (٣/ ١٨٩)، و «المبدع» (٧/ ٣٠٨)، و «الإنصاف» (٩/ ٣٣، ٣٤)، و «كشاف القناع» (٥/ ٣١٢).