ولو قالَ: «جعَلْتُ كلَّ أمرٍ لي عليكِ بيَدِكِ» كانَ كِنايةً في التفويضِ إليها، وليسَ لها أنْ تُطلِّقَ نفسَها ثلاثًا ما لم يَنوِها.
ولو قالَ: «طلِّقِي نفسَكِ ثلاثًا إنْ شِئتِ» فطلَّقَتْ واحدةً، أو: «طلِّقِي نفسَكِ واحِدةً إنْ شِئتِ» فطلَّقَتْ ثلاثًا؛ طَلُقتْ واحِدةً كما لو لم يَذكرِ المَشيئةَ، وإنْ قدَّمَ المَشيئةَ على العَددِ فقالَ: «طلِّقي نفسَكِ إنْ شئتِ واحِدةً» فطَّلقَتْ ثلاثًا أو عَكسُه لغَا؛ لصَيرورةِ المَشيئةِ شَرطًا في أصلِ الطلاقِ، والمَعنى «طلِّقِي إنْ اختَرْتِ الثلاثَ» فإذا اختارَتْ غَيرَهنَّ لم يُوجَدِ الشرطُ، بخِلافِ ما إذا أخَّرَها فإنها تَرجِعُ إلى تَفويضِ المَعنى، والمَعنى «فَوَّضتُ إليكِ أنْ تُطلِّقِي نفسَكِ ثلاثًا فإنْ شئتِ فافعَلي ما فوَّضتُ إليكِ»، وذلكَ لا يَمنعُ نُفوذَ ذلكَ المُعيَّنِ ولا نُفوذَ ما يَدخلِ فيهِ (١).
وقالَ الحَنابلةُ: يَجوزُ للرَّجلِ تَفويضُ الطلاقِ إلى زَوجتِه؛ لِمَا رَوى أبو سلَمةَ بنُ عَبدِ الرَّحمنِ أنَّ عائِشةَ زوْجَ النبيِّ ﷺ قالَتْ: «لمَّا أُمِرَ رَسولُ اللهِ ﷺ بتَخييرِ أزواجِه بدَأَ بي فقالَ: إني ذاكِرٌ لكِ أمرًا فلا عَليكِ أنْ لا تَعجَلِي حتَّى تَستأْمِرِي أبوَيكِ، قالَتْ: وقد عَلِمَ أنَّ أبوَيَّ لم يكونَا يَأمُراني بفِراقِه، قالَتْ: ثمَّ قالَ: إنَّ اللهَ جلَّ ثَناؤُه قالَ: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ
(١) «كنز الراغبين» (٣/ ٨١١، ٨١٤)، و «النجم الوهاج» (٧/ ٤٩٦، ٤٩٨)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٤٦٤، ٤٦٦)، و «تحفة المحتاج» (٩/ ٣٥٩، ٣٦٥)، و «نهاية المحتاج» (٦/ ٥٠٦، ٥٠٩)، و «الديباج» (٣/ ٤١٠، ٤١٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute