للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبَيانُ هذا أنَّ بالتَّطليقاتِ الثلاثِ تَصيرُ مُحرَّمةً ومُطلَّقةً، ثمَّ بإصابةِ الزوجِ الثاني يَرتفعُ الوَصفانِ جَميعًا وتَلتحقُ بالأجنبيَّةِ الَّتي لم يَتزوَّجْها قَطُّ، فبالتطليقةِ الواحِدةِ تَصيرُ مَوصوفةً بأنها مُطلَّقةٌ، فيَرتفِعُ ذلكَ بإصابةِ الزوجِ الثاني.

ثمَّ الدَّليلُ على أنَّ الزوجَ الثاني رافِعٌ للحُرمةِ لا مُنْهٍ أنَّ المُنهيَ يَكونُ مُتقرِّرًا في نَفسِه، ولا حُرمةَ بعْدَ إصابةِ الزوجِ الثاني، فدَلَّ أنهُ رافِعٌ للحُرمةِ، ولأنهُ مُوجِبٌ للحِلِّ؛ فإنَّ صاحِبَ الشَّرعِ سمَّاهُ مُحلِّلًا فقالَ : «لَعَنَ اللَّه المُحلِّلَ والمُحلَّلَ لهُ»، وإنَّما كانَ مُحلِّلًا لكَونِه مُوجِبًا للحِلِّ، ومِن ضَرورتِه أنهُ يَكونُ رافِعًا للحُرمةِ، وبهذا تَبيَّنَ أنَّ جَعْلَه غايةً مَجازٌ.

والدَّليلُ عليهِ أنَّ أحكامَ الطلاقِ تَثبُتُ مُتأبِّدةً لا إلى غايةٍ، ولَكنْ تَرتَفعُ بوُجودِ ما يَرفعُها، كحُكمِ زَوالِ المِلكِ لا يَثبتُ مُؤقَّتًا، ولكنْ يَرتَفعُ بوُجودِ ما يَرفعُه وهوَ النكاحُ.

وإذا ثبَتَ أنَّ الزوجَ الثاني مُوجِبٌ للحِلِّ فإنَّما يُوجِبُ حِلًّا لا يَرتَفعُ إلا بثلاثِ تَطليقاتٍ، وذلكَ غَيرُ مَوجودٍ بعْدَ التَّطليقةِ والتَّطليقتينِ فيَثبتُ بهِ، ولمَّا كانَ رافِعًا للحُرمةِ إذا اعتَرضَ بعْدَ ثُبوتِ الحُرمةِ فلَأنْ يَرفَعَها وهوَ بعَرضِ الثُّبوتِ أَولى، ولَأنْ يَمنعَ ثُبوتَها إذا اقتَرنَ بأركانِها أَولَى (١).


(١) «المبسوط» (٦/ ٩٥، ٩٦)، و «بدائع الصنائع» (٣/ ١٢٧، ١٢٨)، و «شرح السنة» للبغوي (٩/ ٢٣٤)، و «المغني» (٧/ ٣٨٨، ٣٨٩)، و «الكافي» (٣/ ٢٣٧)، و «الشرح الكبير» (٨/ ٤٨٠، ٤٨١)، و «شرح الزركشي» (٤/ ٤٨٤)، و «المبدع» (٧/ ٣٩٦، ٣٩٧)، و «الإنصاف» (٩/ ١٥٩)، و «كشاف القناع» (٥/ ٣٩٩، ٤٠٠)، و «مطالب أولي النهى» (٥/ ٤٨١)، و «منار السبيل» (٣/ ١٢٣، ١٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>