الفُرقةِ المُستبيحةِ عن نِكاحِ زَوجٍ لا تَردُّها إلى أوَّلِ العدَّةِ كالرَّجعةِ؛ لأنها طَلقةٌ استَكملَ بها عَددَ الثَّلاثِ، فوجَبَ تَحريمُها إلا بعْدَ زَوجٍ، أصلُه إذا استَكملَ الثلاثَ في الابتِداءِ، ولأنَّ إصابةَ الزوجِ الثاني في الطلاقِ الثلاثِ لا يَهدِمُه، وإنَّما يَرفعُ تَحريمَه لأمرَينِ:
أحَدُهما: أنَّ الطلاقَ قَدْ وقَعَ، فلم يَرتفعْ بعْدَ وُقوعِه.
الثاني: أنهُ لوِ ارتَفعَ لاستَباحَها بغَيرِ عَقدٍ، وإذا أثَّرَتْ في رَفعِ التحريمِ في الثلاثِ -وليسَ فيما دُونَ الثلاثِ تَحريمٌ- لم يكنْ للإصابةِ فيها تأثيرٌ، ولأنَّنا أجمَعْنا على أنَّ النكاحَ الثاني يُبنَى على الأولِ في الإيلاءِ والظِّهارِ قبلَ زَوجٍ وبعدَه، فكذلكَ في عَددِ الطلاقِ (١).
القَولُ الثَّاني: وهوَ قولُ الإمامِ أبي حَنيفةَ وأبي يُوسفَ والحَنابلةِ في رِوايةٍ أنها تَرجِعُ إليهِ على طَلاقِ ثَلاثٍ، وأنَّ الزوجَ الثاني يَهدِمُ الطلاقَ
(١) «الموطأ» (٢/ ٥٨٦)، و «المدونة الكبرى» (٥/ ٢١)، و «الاستذكار» (٦/ ١٩٩، ٢٠٠)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٤٤٦)، رقم (١٢٦٣)، و «تفسير القرطبي» (٣/ ١٥٢، ١٥٣)، و «شرح الزرقاني» (٣/ ٢٧٨، ٢٧٩)، و «الأم» (٥/ ٢٥٠)، و «المبسوط» (٦/ ٩٥، ٩٦)، و «بدائع الصنائع» (٣/ ١٢٧، ١٢٨)، و «شرح السنة» للبغوي (٩/ ٢٣٤)، و «الحاوي الكبير» (١٠/ ٢٨٦)، و «النجم الوهاج» (٧/ ٥١٤)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٤٧٧)، و «الديباج» (٣/ ٤٢٣، ٤٢٤)، و «المغني» (٧/ ٣٨٨، ٣٨٩)، و «الكافي» (٣/ ٢٣٧)، و «الشرح الكبير» (٨/ ٤٨٠، ٤٨١)، و «شرح الزركشي» (٤/ ٤٨٤)، و «المبدع» (٧/ ٣٩٦، ٣٩٧)، و «الإنصاف» (٩/ ١٥٩)، و «كشاف القناع» (٥/ ٣٩٩، ٤٠٠)، و «مطالب أولي النهى» (٥/ ٤٨١)، و «منار السبيل» (٣/ ١٢٣، ١٢٤).