للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ المالِكيَّةُ والشَّافِعيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ الرَّجلَ إذا قالَ لزَوجَتِه: «أنتِ طالِقٌ» ونوَى ثَلاثًا كانَتْ ثلاثًا؛ لأنها صِيغةٌ مُحتمِلةٌ للعَددِ قابِلةٌ لهُ، واللَّفظُ إذا احتَملَ شَيئًا فنَوَى بهِ قُبِلَ مِنْ ناويهِ؛ اعتِبارًا بقَولِه: «أنتِ الطَّلاقُ»، ولأنَّ قولَهُ: «أنتِ طالِقٌ» نَعتُ اسمِ الفاعِلِ مِنْ «طلقَتْ، فهيَ طالِقٌ»، فهوَ كقَولِكَ: «زَيدٌ ضارِبٌ وقاتِلٌ»، ومَعلومٌ أنَّ ذلكَ يَصحُّ للواحِدِ والاثنَينِ والثَّلاثةِ، فكذلكَ «طالِقُ»، ولأنَّ المُطلَّقةَ ثلاثًا تُشارِكُ المُطلَّقةَ واحدةً في الوَصفِ لها بأنها طالِقٌ، وإذا كانَ الاسمُ مُستَعملًا فيها فدَلَّ على قَبولِه بعَددِ طلاقِها، ولأنَّ قَولَه: «أنتِ طالِقٌ» نَعتٌ لمَصدرٍ مَحذُوفٍ تَقديرُه «أنتِ طالِقٌ طلاقًا»، وذلكَ المَصدَرُ قابِلٌ للعَددِ باتِّفاقِنا، وإظهارُه كتَركِه؛ لأنهُ مَعلومٌ مِنَ اللَّفظِ، فإذا كانَ المَصدَرُ قابِلًا للعَددِ جازَ أنْ يُوصَفَ نَعتًا بما يَصحُّ أنْ يَقبلُه لو أظهَرَه، ولأنَّ الاتِّفاقَ حاصِلٌ على أنهُ إذا قالَ: «أنتِ طالِقٌ ثلاثًا» طلقَتْ ثلاثًا، وليسَ يَخلو قَولُنا «ثلاثًا» مِنْ أنْ يكونَ تَفسيرًا أو بياناً لِمَا أُبهِمَ مِنْ عَددِ قَولِه: «أنتِ طالِقٌ» أو كَلامًا مُبتدَأً، أو أنْ يكونَ لمَجموعِهما صِيغةً مَبنيَّةً لإفادةِ الطَّلاقِ الثَّلاثِ؛ فإنْ كانَ تَفسيرًا فذلكَ ما نَقولُه؛ لأنهُ لو لم يَحتملْهُ لم يكنْ مُفسِّرًا لهُ؛ وإنْ كانَ مُبتدَأً فذلِكٌ باطِلٌ؛ لأنهُ لو كانَ مُبتدَأً لامتَنعَ إيقاعُه على الَّتي لم يدخلْ بها؛ لأنهُ يَرِدُ عليهِ بعْدَ البَينونةِ، ولأنه نُصِبَ على التَّمييزِ كقَولِه: «عِشرونَ دِرهمًا»، ولأنهُ ليسَ بمُستقِلِّ بنَفسِه، فلَم يكنْ مُبتدَأً، أو لأنهُ يُوجِبُ إذا قالَ: «أنتِ طالِقٌ اثنتَينِ»

<<  <  ج: ص:  >  >>