للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ قَولَه: «أنتِ طالِقٌ» يَقتضِي طَلقةً واحِدةً، بدَلالةِ إجماعِهمْ على أنهُ إذا لم يَنوِ شَيئًا كانَتْ واحِدةً.

ولأنَّ قولَهُ: «أنتِ طالِقٌ» صَريحٌ، والنِّيةُ لا تُسلَّطُ على الصَّريحِ فتَصرِفَه مِنْ وَجهٍ إلى وَجهٍ، وإذا سَقطَتِ النِّيةُ فكأنهُ أَطلَقَ اللَّفظَ، ولأنهُ صَريحٌ في الإيقاعِ، فإذا نوَى بهِ العَددَ لم يقَعْ، كمَن قالَ: «أنتِ عليَّ كظَهرِ أمِّي» ونوَى ظِهارَينِ (١).

قالَ الإمامُ الطَّحَاويُّ : قالَ أصحابُنا: إذا قالَ: «أنتِ طالِقٌ» فإنهُ لا يَكونُ إلَّا واحِدةً، وإنْ أرادَ ثَلاثًا لم يَكنْ ثَلاثًا، وهوَ قَولُ الثَّوريِ والأوزاعيِّ.

وقالَ مالِكٌ واللَّيثُ والشَّافعيُّ: إنْ أرادَ ثَلاثًا كانَ ثلاثًا.

قالَ أبو جَعفرٍ: إذا قالَ: «أنتِ طالِقٌ ثَلاثًا» فالواقِعُ هو الثَّلاثُ والطَّلاقُ صِفةٌ لهُ، فإذا قالَ: «أنتِ طالِقٌ» وسكَتَ فالواقِعُ قولَهُ: «طالِقٌ»، فلو ثَلاثًا بنِيَّتهِ كانَ العامِل ما لَم يَلفِظْ بهِ الثَّلاثُ، والمَلفوظُ بهِ صِفةٌ لهُ، فلا يَصحُّ إيقاعُ ما ليسَ بمَلفوظٍ بهِ بالنِّيةِ، ولا يَجوزُ وُقوعُ الطَّلاقِ بنيَّةٍ لا لفْظَ مَعها؛ لأنَّ اللهَ تعالَى تَجاوَزَ لهذهِ الأُمَّةِ ما حَدَّثتْ بهِ أنفُسَها ما لم تَنطِقْ بهِ بلِسانٍ أو تَعمَلْه (٢).


(١) «التجريد» للقدوري (١٠/ ٤٨٦٩، ٤٨٧٣)، و «فتاوى السغدي» (١٣٢٧)، و «عمدة القاري» (١/ ٣٤)، و «الإفصاح» (٢/ ١٧٣)، و «المغني» (٧/ ٣٧١، ٣٧٢)، و «كشاف القناع» (٥/ ٣٠٠)، و «مطالب أولي النهى» (٥/ ٣٦٠).
(٢) «مختصر اختلاف العلماء» (٢/ ٤١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>