للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ الحنفيَّةُ خِلافًا لزُفَرَ إلى أنهُ لا يَقعُ الطَّلاقُ؛ لقَولِه تعالَى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾، أمَرَ اللهُ تعالَى بتَطليقِ النِّساءِ، والنِّساءُ جَمْعُ المَرأةِ، والمَرأةُ اسمٌ لجَميعِ أجزائِها، والأمرُ بتَطليقِ الجُملةِ يكونُ نهيًا عَنْ تَطليقِ جُزءٍ مِنها لا يُعبَّرُ به عَنْ جَميعِ البَدنِ؛ لأنهُ تَركٌ لتَطليقِ جُملةِ البَدنِ، والأمرُ بالفِعلِ نهيٌ عَنْ تَركِه، والمَنهيُّ لا يكونُ مَشروعًا، فلا يَصحُّ شَرعًا، ولأنَّ قولَهُ: «يَدُكِ طالِقٌ» إضافةُ الطَّلاقِ إلى ما ليسَ مَحلَّ الطَّلاقِ فلا يَصِحُّ، كما لو أضافَ الطَّلاقَ إلى خِمارِها، ودَلالةُ الوَصفِ أنهُ أضافَ الطَّلاقَ إلى يَدِها، ويَدُها ليسَتْ بمَحلٍّ للطَّلاقِ لوَجهَينِ:

أحدُهُما: أنَّها ليسَتْ بمَحلٍّ للنِّكاحِ، حتَّى لا تَصحُّ إضافةُ النِّكاحِ إليها، فلا تكونُ مَحلًّا للطَّلاقِ؛ لأنَّ الطَّلاقَ رفْعُ ما يَثبُتُ بالنِّكاحِ، ألَا تَرَى أنَّها لمَّا لم تكنْ مَحلًّا للإقالةِ لأنَّها فَسْخُ ما ثَبتَ بالبَيعِ؟! كذا هذا.

والثَّاني: أنَّ مَحلَّ الطَّلاقِ مَحلُّ حُكمٍ في عُرفِ الفُقهاءِ، وحُكمُ الطَّلاقِ زَوالُ قَيدِ النِّكاحِ، وقَيدُ النِّكاحِ ثبَتَ في جُملةِ البَدنِ لا في اليَدِ وحْدَها؛ لأنَّ النِّكاحَ أُضيفَ إلى جُملةِ البَدنِ، ولا يُتصوَّرُ القَيدُ الثَّابتُ في جُملةِ البَدنِ في اليَدِ وحْدَها، فكانَتِ الإضافةُ إلى اليَدِ وحْدَها إضافةً إلى ما ليسَ مَحلَّ الطَّلاقِ فلا يَصحُّ، وكذا يُقالُ في الجُزءِ الشَّائِعِ؛ لأنهُ لا يَثبُتُ الحُكمُ في البَدنِ بالإضافةِ إلى الجُزءِ الشَّائعِ، بل لمَعنًى آخَرَ وهوَ عَدمُ الفائِدةِ في بَقاءِ النِّكاحِ، أو يُضافُ إليهِ؛ لأنهُ مِنْ ضَروراتِ الإضافةِ إلى الجُزءِ الشَّائِعِ، كمَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>