مُحرَّمةٌ عليهِ، وقَد أشكَلَ فحَرُمَ عَليهِما جَميعًا، كما لو حنَثَ في إحدَى امرأتَيهِ لا بعَينِها، وإنَّما تَحقَّقَ حِنثُه في واحِدةٍ غَيرِ مُعيَّنةٍ، وبالنَّظرِ إلى كُلِّ واحدةٍ مُفرَدَةٍ فيَقينُ نِكاحِها باقٍ وطلاقُها مَشكوكٌ فيهِ، لكنْ لمَّا تَحقَّقْنا أنَّ إحداهُمَا حَرامٌ ولَم يُمكِنْ تَمييزُهَا حَرُمَتَا عليهِ جَميعًا، وكذلكَ هاهُنا قَدْ عَلِمْنا أنَّ أحَدَ هذَينِ الرَّجلَينِ قَدْ طَلُقَتِ امرَأتُه وحَرُمَتْ عليهِ وتَعذَّرَ التَّمييزُ فيَحرمُ الوَطءُ عَليهما، ويَصيرُ كما لو تَنجَّسَ أحدُ الإناءَينِ لا بعَينِه، فإنهُ يَحرُمُ استِعمالُ كلِّ واحِدٍ مِنهُما، سَواءٌ كانَا لرَجلَينِ أو لرَجلٍ واحِدٍ.
فإنِ ادَّعى كلُّ واحِدٍ مِنهُما أنهُ عَلِمَ الحالَ وأنهُ لَم يَحنَثْ دُيِّنَ فيما بيْنَه وبيْنَ اللهِ تعالَى؛ لأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما يُمكِنُ صِدْقُه فيما ادَّعاهُ، وإنَّ أقَرَّ كُلُّ واحدٍ مِنهُما أنَّه الحانِثُ طَلُقَتْ زَوجَتاهُما بإقرارِهما على أنفُسِهما، وإنْ أقَرَّ أحدُهُما حنَثَ وحْدَه، وإنِ ادَّعَتِ امرَأةُ أحدِهِما عليهِ الحِنثَ فأنكَرَ فالقَولُ قَولُه، وهلْ يَحلِفُ؟ يُخرَّجُ عَلى رِوايتَينِ عِنْدَ الحَنابلةِ.
وقالَ المالكيَّةُ: لَو حلَفَ اثنانِ عَلى النَّقيضِ كأنْ رَأَى رَجلانِ طائِرًا فحلَفَ أحدُهُما أنَّهُ غُرابٌ وحلَفَ الآخَرُ على النَّقيضِ -وهوَ أنَّ الطَّائرَ المَذكورَ ليسَ بغُرابٍ-، أو قالَ لرَجلٍ: «امرَأتُه طالِقٌ لَقدْ قُلتَ لي كذا» فقالَ لهُ الآخَرُ: «امرَأتُه طالِقٌ ما قُلتُ لكَ كذا»، وكحَلِفِه «أنَّ فُلانًا يَعرِفُ أنَّ لي حَقًّا في كذا»، فحلَفَ الآخَرُ أنهُ لا يَعرِفُ أنَّ لهُ حقًّا في كذا، وتَعذَّرَ التَّحقيقُ؛ فإنِ ادَّعَيَا يَقينًا -أي حلَفَ كلٌّ مِنهُما على يَقينٍ منهُ- فإنهُما يُدَيَّنانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute