بما حلَفَ بهِ، وإنْ كانَ نَوَى واحدةً مِنهنَّ بعَينِها فنَسيَها طُلِّقنَ عليهِ جَميعًا، (قلتُ): وما حجَّةُ مالكٍ في هذا؟ (قالَ): لأنَّ الطَّلاقَ ليسَ يُختارُ فيهِ في قولِ مالكٍ، (وقالَ ابنُ القاسِمٍ): حَدَّثني يَحيَى بنُ عبدِ اللهِ بنِ سالِمِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ بنِ الخطَّابِ أنَّ عُمرَ بنَ عَبدِ العزيزِ قَضَى بهِ في رَجلٍ مِنْ أهلِ الباديةِ كانَ يَسقي على ماءٍ لهُ فأقبَلَتْ ناقةٌ له فنظَرَ إليها مِنْ بَعيدٍ فقالَ: «امرأتُه طالقٌ البَتَّة -وله امرَأتانِ- إنْ لَم تكنْ فُلانة» لناقةٍ لهُ، فأقبلَتْ ناقةٌ غيرُ تلكَ النَّاقةِ، فقَدمَ الأعرابيُّ المَدينةَ فدخَلَ على أبي بكرِ بنِ مُحمدِ بنِ عَمرِو بنِ حَزمٍ، وهو عامِلٌ لعُمرَ بنِ عَبدِ العَزيزِ على المَدينةِ، وعُمرُ يَومئذٍ خَليفةٌ، فقَصَّ عليهِ قصَّتَه، فأشكَلَ عليهِ القَضاءُ فيها، فكتَبَ إلى عُمرَ في ذلكَ، فكتَبَ إليهِ عُمرُ: إنْ كانَ نَوَى واحدةً مِنهُما حينَ حلَفَ فهوَ ما نَوَى، وإلَّا طَلُقَتا جَميعًا عَليهِ.
(قلتُ): فإنْ قالَ: «إحداكُما طالقٌ» وقالَ: «قد نَويتُ هَذهِ بعَينِها» وعَليهِ بيَّنةٌ حين حلَفَ فيهما أيُصدَّقُ في قولِ مالكٍ؟ قالَ: نعَمْ، (قُلتُ): أرأَيتَ إنْ طلَّقَ إحدَى امرأتَيهِ ثلاثًا فنَسيَها، أيَلزَمُه الطَّلاقُ فيهما جَميعًا أم لا في قولِ مالكٍ؟ (قالَ): قالَ مالكٌ: يَلزمُه الطَّلاقُ فيهما جَميعًا، (قلتُ): فهل يُقالُ لهُ: طلِّقْ مِنْ ذي قَبلِ الَّتي لَم تُطلِّقْ؟ أو يقالُ لهُ: طَلِّقهُما جَميعًا مِنْ ذي قبلُ؟ (قالَ): ما سَألْنا مالكًا عَنْ هذا، ولكنَّ مالكًا قالَ: تُطْلُقانِ عليهِ جَميعًا، (قُلتُ): أرأَيتَ إنْ قالَ: إحداكُما طالِقٌ؟ (قالَ): قالَ مالِكٌ: تَطْلُقانِ عليهِ جَميعًا إذا لم يَنوِ واحدةً منهُما (١).
(١) «المدونة الكبرى» (٥/ ١٥، ١٦)، و «الجامع لمسائل المدونة» (٧/ ٥٥٢)، و «التبصرة» (٦/ ٢٦٣٠)، و «التاج والإكليل» (٣/ ١٠٠)، و «مواهب الجليل» (٥/ ٣١٤، ٣١٥)، و «شرح مختصر خليل» (٤/ ٦٥)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٣/ ٣٠٥، ٣٠٦)، و «تحبير المختصر» (٣/ ٢٠٠، ٢٠١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute