هذا أمرٌ يَعلَمُه كلُّ إنسانٍ مِنْ نَفسِه، فصارَ تَردُّدُه بيْنَ المَريضِ المَغلوبِ والمُكرَهِ والمُحمولِ على الطَّلاقِ، وأيُّهُما كانَ فإنه لا يَنفُذُ طلاقُه.فإنْ قيلَ: الفَرقُ بيْنَهما أنَّ المَريضَ المَغلوبَ لا يَملِكُ نفسَه في الحالِ، والمُكرَهُ وإنْ مَلكَ نفسَه لكنَّه لا يَملِكُ دفْعَ المكروهِ عنهُ، وأمَّا الغَضبانُ فإنَّه يُمكنِهُ أنْ يَملكَ نفسَه، كما قالَ النَّبيُّ ﷺ: «ليسَ الشَّديدُ بالصُّرعةِ، ولكنهُ الَّذي يَملِكُ نفْسَه عندَ الغضَبِ».قيلَ: مِنَ الغَضبِ ما يُمكِنُ صاحبُه أنْ يَملكَ نفْسَه عِندَه، وهوَ الغَضبُ في مبادئِه، فإذا استَحكمَ وتَمكَّنَ منهُ لم يَملِكْ نفسَه عندَ ذلكَ، وكذلكَ الحُزنُ الحامِلُ على الجزَعِ يُمكِنُ صاحبُه أنْ يَملِكَ نفسَه في أوَّلِه، فإذا استَحكمَ وقهَرَ لم يَملكْ نفسَه، وكذلكَ الغَضبُ يُمكِنُ صاحِبُه أنْ يَملكَ نفسَه في أوَّلِه، فإذا تَمكَّنَ واستَولَى سُلطانُه على القَلبِ لم يَملكْ صاحبُه قلْبَه، فهوَ اختياريٌّ في أوَّلِه، اضطِراريٌّ في نهايتِه، كما قالَ القائِلُ:يا عاذِلِي والأمرُ في يَدِهِ … هلَّا عَذَلْتَ وفي يَدِي الأمرُوهكذا السَّكرانُ، سَببُ السُّكرِ مَقدورٌ له، يُمكِنُه فِعلُه وتَركُه، فإذا أتَى بالسَّببِ خرَجَ الأمرُ عَنْ يَدِه، ولَم يَملكْ نَفسَه عِنْدَ السُّكرِ، فإذا كانَ السُّكرُ الَّذي هوَ مُفرِّطٌ بتَعاطِي أسبابِه ويَقدرُ على ملكِ نفسِه باجتِنابِها، قد عَذَرَ الصَّحابَةُ وغَيرُهم مِنَ الفُقهاءِ صاحِبَه إذا طلَّق في هذهِ الحال، مع كَونِه غيرَ مَعذورٍ في تَعاطي سَببِه، فلَأَنْ يُعذَرَ سَكرانُ الغَضبِ الَّذي لَم يُفرِّطْ -معَ شدَّةِ سُكرِه على سُكرِ الخَمرِ- أَولَى وأَحرَى.الوَجهُ الحادِي عَشرَ: وهو أنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ إذا لم يُنفِذْ غضَبَه قتَلَه غَضبُه، وماتَ أو مَرضَ أو غُشِيَ عليهِ، كما يُذكَرُ عَنْ بَعضِ العرَبِ أنَّ رَجلًا سبَّهُ، فأرادَ أنْ يَردَّ على=
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute