إذا نفَذَ مثلُ هذا غَضبُه بقَتلِ أو ظُلمٍ لغَيرِه لم يُعذَرْ بذلكَ كالسَّكرانِ، وأمَّا إذا نفَذَ بقولٍ فإنَّه يُمكنُ إهدارُ قَولِه وأنْ لا يَترتَّبَ أثرُه عليهِ، كما أهدَرَ اللهُ سُبحانَه دُعاءَه ولم يُرتِّبْ أثرَه عليهِ ولَم يَستَجبْهُ لهُ.ولهذا ذهَبَ بعضُ الفُقهاءِ إلى أنه لا يُجلَدُ بالقَذفِ في حالِ الخُصومةِ والغضَبِ، وإنَّما يُجلَدُ بهِ إذا أتَى به اختيارًا وقَصدًا لقَذفِه، وهوَ قولٌ قويٌّ جِدًّا.ويَدلُّ عليهِ أنَّ الخَصمَ لا يُعذَرُ بجُرحِه لخَصمِه وطَعنِه فيهِ حالَ الخُصومةِ بقَولِه: هو فاجِرٌ ظالِمٌ غاشِمٌ يَحلِفُ على الكَذبِ ونَحوِ ذلكَ.ومَن يَحُدُّه في هذهِ الحالِ يُفرِّقُ بيْنَ قَذفِه وطلاقِه بأنَّ القَذفَ حقٌّ لآدَميٍّ وانتهاكٌ لعِرضِه، أو قدحِهِ في نَفسِه، فيَجرِي مَجرى إتلافِ نَفسِه ومالِه، فلا يُعذَرُ فيهِ بالغَضبِ، لا سيَّما ولو عُذِرَ فيهِ بذلكَ لَأمكَنَ كلَّ قاذِفٍ أنْ يقولَ: قَذفْتُه في حالِ الغَضبِ فيسقُطُ الحدُّ، بخلافِ الطَّلاقِ؛ فإنه يُمكنُ أنْ يُديَّنَ فيما بيْنَه وبيْنَ اللهِ، والحقُّ لا يَعدُوهُ.والمَقصودُ أنَّه إذا تَكلَّمَ بالطَّلاقِ دواءً لهذا المَرضِ وشِفاءً لهُ بإخراجِ هذهِ الكَلمةِ مِنْ صَدرِه وتَنفُّسِه بها؛ فمِن كَمالِ هذهِ الشَّريعةِ ومَحاسِنها وما اشتَملَتْ عليهِ مِنَ الرَّحمةِ والحِكمةِ والمَصلَحةِ أنْ لا يُؤاخَدَ بها ويُلزَمَ بمُوجَبِها وهو لم يَلتَزمْه.الوَجهُ الثَّاني عشَرَ: أنَّ قاعِدةَ الشَّريعةِ أنَّ العَوارِضَ النَّفسيَّةَ لها تأثيرٌ في القَولِ إهدارًا واعتبارًا، وإعمالًا وإلغاءً، وهذا كعارِضِ النِّسيانِ والخَطأِ والإكراهِ والسُّكرِ والجُنونِ والخَوفِ والحُزنِ والغَفلةِ والذُّهولِ، ولهذا يُحتَملُ مِنَ الواحدِ مِنْ هؤلاءِ مِنَ القَولِ ما لا يُحتَملُ مِنْ غَيرِه، ويُعذَرُ بما لا يُعذَرُ بهِ غيرُه؛ لعَدمِ تَجرُّدِ القصدِ والإرادةِ ووُجودِ الحامِلِ على القَولِ.ولهذا كانَ الصَّحابةُ يَسألُ أحدَهُم النَّاذِرَ: أَفِي رِضًا قُلتَ ذلكَ أم في غَضبِ؟ فإنْ كانَ في =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute