تَحقيقُ الأمرِ: أنَّ لهُ فيهِ إرادةً هوَ مَحمولٌ عليها، حمَلَه عليها الغَضبُ، فهي كإرادةِ المُكرَهِ، بلِ المُكرَهُ أدخَلُ في الإرادةِ كما تَقدَّمَ، وهذا يَدلُّ على أنَّ الغَضبانَ أَولَى بعَدمِ الوُقوعِ مِنَ المُكرَهِ.يُوضِّحُه الوَجهُ السَّادِسُ: وهو أنَّ الخَوفَ في قَلبِ المُكرَهِ كالغَضبِ في قَلبِ الغَضبانِ، لكنَّ المُكرَهَ مَقهورٌ بغَيرِه مِنْ خارجٍ، والغَضبانُ مَقهورٌ بغَضَبِه الدَّاخلِ فيه، وقَهرُ الإكراهِ يُبطِلُ حُكمَ الأقوالِ الَّتي أُكرِهَ عليها، ويَجعَلُها بمَنزلةِ كَلامِ النَّائمِ والمَجنونِ، دُونَ حُكمِ الأفعالِ، فإنهُ يُقتَلُ إذا قتَلَ، ويَضمنُ إذا أتلَفَ، فكذلكَ قَهرُ الغَضبِ يُبطِلُ حُكمَ أقوالِ الغَضبانِ دُونَ أفعالِه، حتَّى لو قَتلَ في هذهِ الحالةِ أو أتلَفَ شيئًا ضَمِنَه.هذا كُلُّه في الغَضبانِ الَّذي يَكرَهُ ما قالَه حَقيقةً، فأمَّا مَنْ هو مُريدٌ لهُ -على تَقديرِ عَدمِ غضَبِه لاقتِضاءِ سَببِ ذلكَ- فليسَ مِنْ هذا البابِ، كمَنْ زَنَتِ امرَأتُه فغَضِبَ فطلَّقَها؛ لأنَّه لا يَرَى المقامَ معَ زانيةٍ، فلم يَقصِدْ بالطَّلاقِ إطفاءَ نارِ الغضَبِ، بلِ التَّخلصَ مِنَ المقامِ معَ زانيةٍ، فهذا يَقعُ طلاقُه.فتأمَّلْ هذا الفرْقَ؛ فإنهُ حرفُ المسألةِ ونُكتَتُها، وهذا بخِلافِ مَنْ خاصَمَتْه امرأتُه وهو يَعلَمُ مِنْ نَفسِه إرادةَ المقامِ معها على الخُصومةِ وسُوءِ الخلُقِ، ولكنْ حمَلَه الغضَبُ على أنْ شَفَى نَفسَه بالتَّكلُّم بالطَّلاقِ كَسرًا لها وإطفاءً لنارِ غضَبِه.يُوضِّحُه الوَجهُ السَّابعُ: وهوَ أنَّ الغَضبانَ يَفعلُ أمُورًا مِنْ شَقِّ الثِّيابِ وإتلافِ المالِ وغَيرِ ذلكَ ممَّا لو أُكرِهَ بهِ حتَّى يَتكلَّمَ بالطَّلاقِ لم يَنفُذْ طلاقُه ولَغَتْ أقوالُهُ، فإذا فعَلَ هو هذهِ الأمورَ عُلِمَ أنَّ الَّذي ألجأَه إليها أعظَمُ مِنَ الإكراهِ؛ فإنَّ المُكرَهَ لو أُكرِهَ بها لم يَفعَلْها، وهذا قد فعَلَها، فعُلمَ أنَّ المُقتضي لفِعلِها فيه أَولَى مِنِ اقتِضاءِ الإكراهِ لفِعلِها، والمُكرَهُ لو فُعِلَ بهِ ذلكَ كانَ مُكرَهًا، فالغَضبانُ كذلكَ، وهذا واضِحٌ جِدًّا. =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute