للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= غَضبانُ»، ولولا أنَّ الغَضبَ يُؤثِّرُ في قصْدِه وعلْمِه لم يَنهَه عنِ الحُكمِ حالَ الغَضبِ.
وقَد اختَلفَ الفُقهاءُ في صحَّةِ حُكمِ الحاكِم في حالِ غَضبِه على ثلاثةِ أقوالٍ.
أمَّا آثارُ الصَّحابةِ، فمِن وُجوهٍ:
أحدُها: ما ذكَرَه البُخاريُّ في صَحيحِه عنِ ابنِ عبَّاسٍ أنَّه قالَ: «الطَّلاقُ عَنْ وَطَرٍ، والعِتقُ ما يُبتَغَى بهِ وجهُ اللهِ». فحصَرَ الطَّلاقَ فيما كانَ عَنْ وطَرٍ، وهو الغرَضُ المَقصودُ، والغَضبانُ لا وطَرَ لهُ.
وهذا في الطَّلاقِ عنِ ابنِ عبَّاسٍ نَظيرُ قولِه وقَولِ أصحابِه: «لَغوُ اليَمينِ أنْ تَحلِفَ وأنتَ غَضبانُ».
الوَجهُ الثَّاني: أنَّ الزُّهريَّ روَى عَنْ أبانَ بنِ عُثمانَ عَنْ عُثمانَ أنَّه ردَّ طلاقَ السَّكرانِ، ولا يُعرَفُ لهُ مُخالِفٌ مِنَ الصَّحابةِ.
وهذا القَولُ هو الصَّحيحُ، وهو الَّذي رجَعَ إليهِ الإمامُ أحمدُ أخيرًا، قالَ في روايةِ أبي طالِبٍ: والَّذي لا يَأمرُ فيهِ بالطَّلاقِ فإنَّما أتَى خصلةً واحدةً، والَّذي يأمُرُ بالطَّلاقِ قد أتَى خصلتَينِ: حرَّمَها عليهِ وأحلَّها لغَيرِه؛ فهذا خَيرٌ مِنْ هذا، وأنا أتَّقي جَميعَها.
وقالَ في روايةِ عَبدِ المَلكِ المَيمونِيِّ: قد كُنْتُ أقولُ: إنَّ طلاقَ السَّكرانِ يَجوزُ، حتَّى تَبيَّنتُه، فغلَبَ عليَّ أنَّه لا يَجوزُ طلاقُه؛ لأنَّه لو أَقرَّ لم يَلزمْه، ولو باعَ لم يَجزْ بَيعُه. قالَ: وأُلزِمُه الجِنايةَ، وما كانَ مِنْ غَيرِ ذلكَ فلا يَلزمُه.
قال أبو بكرٍ: وبهذا أقولُ.
وقالَ في روايةِ أبي الحارثِ: أرفَعُ شيءٍ فيهِ حَديثُ الزُّهريِّ عَنْ أبانَ بنِ عُثمانَ عن عُثمانَ: «ليسَ لمَجنونٍ ولا سَكرانَ طَلاقٌ».
وهو اختيارُ الطَّحاويِّ وأبي الحسَنِ الكَرخيِّ وإمامِ الحرَمَينِ وشيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ، وأحدُ قَولي الشَّافعيِّ.
وإذا كانَ هَؤلاءِ لا يُوقِعونَ طلاقَ السَّكرانِ؛ لأنَّه غَيرُ قاصِدٍ للطَّلاقِ، فمَعلومٌ أنَّ الغَضبانَ كَثيرًا ما يَكونُ أسوأَ حالًا مِنَ السَّكرانِ.=

<<  <  ج: ص:  >  >>