لهذا قالَ النَّبيُّ ﷺ: «لا يَقُلْ أحدُكُم: اللَّهمَّ اغفِرْ لي إنْ شِئتَ، اللَّهمَّ ارحَمني إنْ شئتَ، ولَكنْ لِيَعزمِ المَسألةَ؛ فإنَّ اللهَ لا مُكرِهَ له».فبَيَّنَ النَّبيُّ ﷺ أنَّ اللهَ لا يَفعلُ إلَّا إذا شاءَ، بخِلافِ المُكرَهِ الَّذي يَفعلُ ما لا يَشاؤُه، فإنَّه لا يُقالُ: «يَفعلُ ما يَشاءُ» إلَّا إذا كانَ مُطلَقَ الدَّواعي، وهو المُختارُ، فأمَّا مَنْ أُلزِمَ بفِعلٍ مُعيَّنٍ فلا.ولهذا يُقالُ: المُكرَهُ غَيرُ مُختارٍ، ويُجعَلُ قَسيمَ المُختارِ لا قِسمًا مِنهُ، ومَن سمَّاهُ مُختارًا فإنَّهُ يعني أنَّ لهُ إرادةً واختِيارًا بالقَصدِ الثَّاني، فإنَّه يُريدُ الخَلاصَ مِنَ الشَّرِّ، ولا خَلاصَ له إلَّا بفِعلِ ما أُكرِهَ عليهِ، فصارَ مُريدًا لهُ بالقَصدِ الثَّاني لا بالقَصدِ الأوَّلِ.والغَضبانُ: الَّذي يَمنعُه الغَضبُ مِنْ مَعرفةِ ما يَقولُ وقَصدِه، فهذا مِنْ أعظمِ الإغلاقِ، وهو في هذا الحالِ بمَنزلةِ المُبرسَمِ والمَجنونِ والسَّكرانِ، بل أسوءُ حالًا مِنْ السَّكرانِ؛ لأنَّ السَّكرانَ لا يَقتلُ نَفسَه، ولا يُلقي وَلدَهُ مِنْ عُلوٍّ، والغَضبانُ يَفعلُ ذلكَ، وهذا لا يَتوجَّهُ فيه نِزاعٌ أنه لا يَقعُ طَلاقُه، والحَديثُ يَتناوَلُ هذا القِسمَ قَطعًا.وحِينَئذٍ، فنَقولُ: الغَضبُ ثَلاثةُ أَقسامٍ:أحدُها: أنْ يَحصلَ للإنسانِ مَبادِئُه وأوائِلُه، بحَيثُ لا يَتغيَّرُ عليهِ عَقلُه ولا ذِهنُه، ويَعلمُ ما يقولُ ويَقصِدُه؛ فهذا لا إشكالَ في وُقوعِ طَلاقِه وعِتقِه وصحِّةِ عُقودِه، ولا سِيَّما إذا وقَعَ منهُ ذلكَ بعدَ تَردُّدِ فِكرِه.القِسمُ الثَّاني: أنْ يَبلُغَ بهِ الغَضبُ نهايَتَه بحَيثُ يَنغلِقُ عليهِ بابُ العِلمِ والإرادةِ، فلا يَعلَمُ ما يَقولُ ولا يُريدُه؛ فهذا لا يَتوجَّهُ خِلافٌ في عَدمِ وُقوعِ طلاقِه، كما تَقدَّمَ.والغضَبُ غُولُ العَقلِ، فإذا اغتالَ الغَضبُ عقْلَه حتَّى لَم يَعلمْ ما يقولُ، فلا رَيبَ أنَّه لا =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute