للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وقَدِ اختُلفَ في الإغلاقِ، فقالَ أهلُ الحِجازِ: هو الإكراهُ، وقالَ أهلُ العِراقِ: هوَ الغَضبُ، وقالَت طائِفةٌ: هوَ جمْعُ الثَّلاثِ بكلمةٍ واحدةٍ، حكَى الأقوالَ الثَّلاثةَ صاحِبُ كتابِ «مَطالِع الأنوارِ»، وكأنَّ الَّذي فسَّرُه بجَمعِ الثَّلاثِ أخَذَه مِنَ التَّغليقِ، وهو أنَّ المُطلِّقَ غَلَّقَ طَلاقَه كما يُغلِّقُ صاحِبُ الدَّينِ ما عليهِ، وهو مِنْ غَلْقِ البابِ، فكأنَّه أغلَقَ على نَفسِه بابَ الرَّحمةِ بجمْعِه الثَّلاثِ، فلم يَجعَلْ له الشَّارِعُ ذلكَ ولم يُملِّكْه إيَّاهُ رحمةً بهِ، إنَّما ملَّكَه طلاقًا يَملكُ فيهِ الرَّجعةَ بعْدَ الدُّخولِ، وحجَرَ عليهِ في وَقتِه ووَضعِه وقَدرِه، فلم يُمَلِّكْه إيَّاه في وَقتِ الحَيضِ ولا في وَقتِ طُهرٍ جامَعَها فيهِ، ولم يُملِّكْه أنْ يُبينَها بغَيرِ عِوضٍ بعْدَ الدُّخولِ، فيكونُ قد غَيَّرَ صِفةَ الكلامِ، وهذا عِنْدَ الجُمهورِ، فلو قالَ لها: «أنتِ طالِقٌ طلْقَةً لا رَجعَةَ لي فيها، أو طَلقَةً بائِنةً» لَغَى ذلكَ وثَبَتَ لهُ الرَّجعةُ. كذلكَ لَم يُملِّكْهُ جمْعَ الثَّلاثِ في مَرَّةٍ واحدةٍ، بل حجَرَ عليهِ في هذا وهذا وهذا، وكانَ ذلكَ مِنْ حُجَّةِ مَنْ لم يُوقِعِ الطَّلاقَ المُحرَّمَ ولا الثَّلاثَ بكَلمةٍ واحدةٍ؛ لأنَّه طلاقٌ مَحجورٌ على صاحِبِه شَرعًا، وحَجْرُ الشَّارعِ يَمنعُ نُفوذَ التَّصرُّفِ وصحَّتَه، كما يَمنَعُ نُفوذَ التَّصرُّفِ في العُقودِ الماليَّةِ.
فهذهِ حجَّةٌ مِنْ أكثرِ مِنْ ثلاثينَ حجَّةً ذكَرُوها على كَلامِ وُقوعِ الطَّلاقِ المَحجورِ على المُطلِّقِ فيه.
والمَقصُودُ هاهُنا أنَّ هؤلاءِ فسَّروا الإغلاقَ بجَمعِ الثَّلاثِ؛ لكَونِه أغلَقَ على نَفسِه بابَ الرَّحمةِ الَّذي لم يُغلِقْه اللهُ عليهِ إلَّا في المرَّةِ الثَّالثةِ.
وأمَّا الآخَرونَ فقالُوا: الإغلاقُ مأخُوذٌ مِنْ إغلاقِ البابِ، وهو إرتاجُه وإطباقُه، فالأمرُ المُغلَقُ ضدُّ الأمرِ المُنفرِجِ، والَّذي أُغلِقَ عليهِ الأمرُ ضدُّ الَّذي فُرِجَ لهُ وفُتِحَ عليهِ، فالمُكرَهُ الَّذي أُكرِهَ على أمرٍ إنْ لم يَفعَلْه وإلَّا حصَلَ لهُ مِنَ الضَّررِ ما أُكرِهَ إليهِ، قَدْ أُغلِقَ عليهِ بابُ القَصدِ والإرادةِ لِمَا أُكرِهَ عليهِ، فالإغلاقُ في حقِّه بمَعنَى إغلاقِ أبوابِ القَصدِ والإرادةِ لهُ، فلم يَكنْ قَلبُه مُنفتِحًا لإرادةِ القَولِ والفِعلِ الَّذي أُكرِهَ عليهِ، ولا =

<<  <  ج: ص:  >  >>