للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الغضَبُ، فعَذَرَه اللهُ سبحانَه بهِ، ولم يَعتِبْ عليهِ بما فعَلَ؛ إذْ كانَ مَصدَرُه الغَضَبُ الخارجُ عَنْ قُدرةِ العبدِ واختِيارِه، فالمُتولِّدُ عنهُ غيرُ مَنسوبٍ إلى اختيارِه ورِضاهُ به.
وضِّحُه الوَجهُ الرَّابعُ: وهو قَولُه: ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ﴾ [الأعراف: ١٥٤]. فعدَلَ سبحانَه عَنْ قَولِه: «سَكَنَ» إلى قَولِه: ﴿سَكَتَ﴾؛ تَنزيلًا للغَضبِ مَنزلةَ السُّلطانِ الآمِرِ النَّاهي الَّذي يَقولُ لصاحبِهِ: «افعَلْ، لا تَفعَلْ»، فهو مُستجيبٌ لداعي الغَضبِ النَّاطِقِ فيهِ المُتكلَّمِ على لِسانِه، فهو أَولَى بأنْ يُعذَرَ مِنَ المُكرَهِ الَّذي لم يَتسلَّطْ عليهِ غَضبٌ يأمُرُه ويَنهاهُ.
وإذا كانَ الغَضبُ هو النَّاطقَ على لِسانِه، الآمرَ النَّاهيَ لهُ، لم يَكنْ ما جرَى على لِسانِه في هذهِ الحالِ مَنسوبًا إلى اختِيارِه ورِضاهُ، فلا يتمُّ مَنْ عليهِ أثَرُه.
الوَجهُ الخامِسُ: قَولُه تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ في ثلاثةِ مَواضِعَ مِنْ القُرآنِ، وما يَتكلَّمُ بهِ الغَضبانُ في حالِ شدَّةِ غَضبِه مِنْ طلاقٍ أو شَتْمٍ ونحوِه هوَ مِنْ نَزغاتِ الشَّيطانِ، فإنَّه يُلجِئُه إلى أنْ يَقولَ ما لَم يَكنْ مُختارًا لقَولِه، فإذا سُرِّيَ عنهُ عَلِمَ أنَّ ذلكَ مِنْ إلقاءِ الشَّيطانِ على لِسانِه، ممَّا لم يَكنْ برِضاهُ واختِيارِه.
والغَضَبُ مِنَ الشَّيطانِ وأثَرَه مِنهُ، كمَا في الصَّحيحِ أنَّ رَجلَينِ استَبَّا عِنْدَ النَّبيِّ حتَّى احمَرَّ وجْهُ أَحدِهِما وانتَفخَتْ أَوداجُهُ، فقَالَ النَّبيُّ : «إنِّي لأَعلَمُ كَلمَةً لَو قَالَها لَذَهَبَ عَنهُ مَا يَجِدُ: أَعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ».
وفي السُّننِ أنَّ النَّبيَّ قالَ: «إنَّ الغَضبَ مِنَ الشَّيطانِ، وإنَّ الشَّيطانَ مِنَ النَّارِ، وإنَّما تُطفَأُ النَّارُ بالماءِ، فإذا غَضِبَ أحدُكم فلْيَتوضَّأْ».
وإذا كانَ هذا السَّببُ وأثَرُه مِنْ إلجاءِ الشَّيطانِ لم يَكنْ مِنْ اختيارِ العَبدِ فلا يَترتَّبُ عَليهِ حُكمُه.
فأمَّا دَلالةُ السنَّةِ فمِن وُجوهٍ:
أحدُها: حَديثُ عائِشةَ المُتقدِّمِ، وهو قولَهُ: «لا طلاقَ ولا عِتاقَ في إغلاقٍ». =

<<  <  ج: ص:  >  >>